أصبحت "هواية التصوير" جاذبة لأغلب أفراد المجتمع، خاصةً في ظل ثورة التقنية الحديثة، وانتشار برامج مواقع التواصل الاجتماعي، إذ إن الملاحظ وجود فيض من الصور والمقاطع المتداولة، والتي قد تحمل الاساءة للآخرين، ليبقى السؤال: هل المجتمع يُدرك خطورة التمادي في ذلك؟، هل لدينا وعي ومعرفة بالأضرار والنتائج غير المحمودة؟. ويجهل الكثير من المواطنين والمقيمين نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، بما يحويه من عقوبات مترتبة على ارتكاب الجرائم المعلوماتية، كذلك هناك من لا يدرك حقوقه التي ينبغي أن يحصل عليها من الجهات المعنية في حال تعرضه لأي نوع من الجرائم المعلوماتية، فالمادة الثالثة من النظام حدّدت العقوبة بالسجن مدة عام أو غرامة لا تزيد على (500) ألف ريال لمن يسيء استخدام الهواتف النقالة المزودة بكاميرا، أو ما في حكمها، للمساس بالحياة الخاصة للأفراد بقصد التشهير وإلحاق الضرر بهم عبر وسائل تقنيات المعلومات المختلفة. إن انتشار التصوير اليوم وبدون ضوابط وقيود يجعل الكثير من الناس تحت طائلة المسؤولية الجنائية، كذلك التشهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة يُعد أشد شناعة من أيّ تشهير آخر؛ لسرعة الانتشار والتفاعل المباشر من المستخدمين، مما يؤكد وقوع الفاعل تحت نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية وتطبيق العقاب عليه. أدب الاستئذان وقالت "سهير الغامدي" -مشرفة علاقات عملاء-: إن من آداب التقاط الصور والمقاطع الاستئذان، مضيفةً أنه يفترض من كل شخص يعتزم التصوير محاولة تجنب إظهار من حوله في المكان العام، حتى وان كان الهدف من التصوير التقاط صورة شخصية، مبينةً أنها تعاني كثيراً أثناء عملها بالمعارض من انتشار "الكاميرات" الاحترافية للهواة وأصحاب المهن الاخبارية، ذاكرةً أن رصد الحدث في المعارض بالصورة وانتشارها في الصحف والمواقع الالكترونية أصبح يشكل رعباً محققاً وقد يلحق الضرر بالمرأة، خاصةً إذا كانت أسرتها محافظة وترفض ظهورها، مشيرةً إلى أنه مع ظهور البرامج الخاصة بالتصوير ك"السناب شات" أصبح الفتيات يتساهلن في التقاط صور يومياتهن في المطاعم والأسواق، وربما يقع الضرر عليهن ومن يجلس بجوارهن. أسوأ ما يكون عليه الإنسان حين يلتقط صوراً تنتهك خصوصية الآخرين أو تضرّ بأمن مجتمعه مساحة كبيرة وأوضح "م.فهد رفاعي" -كلية التقنية في جازان- أنه مع انتشار التقنية وتطورها السريع أصبح التصوير هواية الجميع، بل واحتل مساحة كبيرة من خياراتنا اليومية السهلة للتواصل، فعوضاً عن كتابة الرسائل أصبحنا "نُصبّح" و"نُمسي" على بعضنا بالصورة الشخصية -سلفي-، مُشدداً على ضرورة احترام خصوصيات الآخرين، مبيناً أن للتصوير جانباً محموداً، مستشهداً بما حدث قبل أشهر، بإقامة "مطب صناعي" غير واضح وقد يتسبب في حوادث مؤلمة، ولولا لطف الله وانتشار صور للموقع لتعرض العديد من قائدي المركبات للخطر، مشيراً إلى أنه لا بأس بتصوير حوادث السيارات من قبيل التوعية شريطة ألاّ يتعدى ذلك المصابين بالحادث، مؤكداً على أنه يمكن تسمية التصوير بالهواية المربحة لمن أجاد استخدامها في تطوير ذاته كما يفعل المصورون الصحافيون الأكفاء، الذين استخدموا التصوير في توثيق أخبارهم باحترافية تفيد الخبر وتساهم في نقل المعلومة بسرعة، إلاّ أنه في المقابل يوجد هناك من يستغل سهولة التصوير ليسيء للآخرين باختزال جزء من الصورة لأغراض وأهداف غير سوية!. ثقافة ضعيفة وأكدت "ولاء أحمد حسن" -طالبة جامعية- على أن التصوير غير المنضبط يعود بالإساءة على الأشخاص، مضيفةً أن هناك فتيات نشرت صورهن دون أدنى توقع منهن بذلك، وهذا فيه ضرر كبير عليهن، مبينةً أن بعض الأُسر يطلبون ممن نشر صورة طفلهم حذفها سريعاً؛ لمعرفتهم بالضرر الذي قد يلحق بهم، ذاكرةً أن الأسوأ من ذلك كله التصوير لبعض الأحداث والتحركات التي قد تلحق الضرر بالوطن، لافتةً إلى أن ثقافة المجتمع بحدود وضوابط التصوير ضعيفة جداً. وذكر الشاب "عبدالمجيد السبت" أن للمنازل حرمة، ويجب التنبه إلى عدم ترك الجوالات بيد الأطفال، مضيفاً أنه في "المولات" والمطارات لا يحق لاحد التقاط صور المارة والمسافرين والمتسوقين، فهو بذلك يتعدى عليهم وقد يلحق بهم الضرر، مبيناً أن تصوير المرأة حتى لو كانت كبيرة في السن أو جزء فقط من وجهها أو يدها تصرف غير لائق ويجعلها عرضة للتداول والاساءة. وشدّدت "مي الصويغ" على ضرورة تثقيف وتوعية المجتمع بكل ما يتعلق بالتصوير، مضيفةً: "نحن مجتمع محافظ لنا عاداتنا وتقاليدنا، وقد لعب التصوير العشوائي دوراً في كسر الكثير منها، ولابد من توعية المجتمع بجميع الانظمة الضابطة له، والاضرار النفسية والاجتماعية والأمنية، وكذلك العقوبات في حين التجاوز"، مشيرةً إلى أنها لا تُحب أن تضع نفسها في موقف محرج، فدائماً تُفضل السؤال قبل التصوير مع أنها أصبحت تُلاحظ كثرة التصوير دون السؤال والاستئذان؛ لاعتقاد البعض أن المجتمع تغير وأصبح منفتحاً لدرجة أنه لا داعي للسؤال!. تصريح معتمد وتحدث "د.عبدالعزيز صالح العقيل" -المستشار المشرف العام على الإعلام الداخلي بوزارة الثقافة والإعلام- قائلاً: إن التصوير على اختلافه أحد الأنشطة الاعلامية التي ترخص لها وزارة الثقافة والاعلام، ولا يجوز ممارسته إلاّ بتصريح من الوزارة، مضيفاً أن المصور المتجول لابد أن يحمل بطاقة انتمائه لجهة معينة مصرح لها من قبل وزارة الثقافة والاعلام، مُشدداً على ضرورة مراعاة شروط التصوير المدرجة باللائحة التنفيذية لنظام المطبوعات والنشر الأخير، والتي تنص على ألا يخالف مضمون الصورة أو المقطع قيم وأخلاق وتعاليم الدين الاسلامي المعمول بها في المملكة، وعدم تكبير وطباعة وعرض أي صورة للجمهور إلاّ بعد إذن وموافقة صاحبها. جرائم معلوماتية وأوضحت "د.جواهر عبدالعزيز النهاري" -مديرة القسم النسائي بهيئة حقوق الانسان في منطقة مكةالمكرمة- أن حياة الناس الخاصة هي ملك لهم لا يجوز انتهاك حرمتها بالتصوير أو غيره، مضيفةً أن الدولة سنّت أنظمة تحمي كل انسان من تطفل المتطفلين، ومنها نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، مبينةً أن الكثير يجهل النظام بما يحويه من عقوبات مترتبة على ارتكاب الجرائم المعلوماتية، وما تنطوي عليه من مخاطر تلحق الفرد والمجتمع، ذاكرةً أن هناك من لا يدرك حقوقه التي ينبغي أن يحصل عليها من الجهات المعنية في حال تعرضه لأي نوع من الجرائم المعلوماتية، مشيرةً إلى أن المادة الثالثة من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية حدّدت العقوبة بالسجن مدة عام أو غرامة لا تزيد على (500) ألف ريال لمن يسيء استخدام الهواتف النقالة المزودة بكاميرا، أو ما في حكمها، للمساس بالحياة الخاصة للأفراد بقصد التشهير وإلحاق الضرر بهم عبر وسائل تقنيات المعلومات المختلفة، مُشيدةً بجهود هيئة حقوق الانسان بمنطقة مكةالمكرمة من خلال القيام بعدد من المحاضرات لنشر ثقافة حقوق الانسان والتي تم التركيز فيها على جانب حرمة الحياة الخاصة للناس، والاشارة إلى ما ينطوي عليه نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية. طائلة المسؤولية وأكد "د.محمد بن عبدالعزيز المحمود" -مستشار قانوني- على أن انتشار التصوير اليوم وبدون ضوابط وقيود أمر جعل الكثير من الناس يقع تحت طائلة المسؤولية الجنائية، مضيفاً أن الأنظمة وضعت ضوابط وقيوداً للتصوير، فعلى سبيل المثال أن تصوير تنفيذ الأحكام الشرعية من قصاص أو جلد وخلافه أمر محظور وممنوع نظاماً، إذ نصت المادة (159) من اللائحة التنفيذية لنظام الإجراءات الجزائية على أنه يحظر على غير الجهات المختصة التصوير أثناء تنفيذ الأحكام، مبيناً أن نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية الصادر عام 1428ه نص على منع التشهير بالآخرين، مشيراً إلى أن الكثير من المصورين يُشهّر وربما بغير قصد، ذاكراً أن التشهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة أشد شناعة من أيّ تشهير آخر؛ لسرعة الانتشار والتفاعل المباشر من المستخدمين، خاصةً عندما يكون التشهير في الهاشتاق -Hashtag-، والذي يطلع عليه جميع المستخدمين، لهذا نص نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية في مادته الثالثة على أن يُعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عام، وبغرامة لا تزيد على (500) ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين. تصيد الثغرات وقال "د.عبدالله محمد الأسمري" -مستشار نفسي واجتماعي-: لقد أصبحت "الكاميرات" على اختلافها تشكل شبحاً مرعباً يلاحقك في المنزل والشارع والعمل والمناسبات، فقد قضت على قيمة الستر تماماً، وهي تعمل على تصيد الثغرات وجميع أخطاء الأفراد والمجتمعات كونها مطلقة وبدون قيود أو رقابة، في مجتمع يعيش ويمارس حياته الطبيعية بكل ما تحمل من آلام ومسرات بعيداً عن التقمص والتمثيل، مضيفاً أن انتشار التقنية الحديثة واتساع ثقافة التصوير الخاطئة فقد أُدمجت "الكاميرا" بالجوالات والساعات والأقلام، بل حتى في السيارات وصممت بأحجام صغيرة وبإمكانات ودقة عالية، ذاكراً أنه أصبح التصوير سلاحاً ذا حدين بيد الجميع أطفال، مراهقين، أسوياء وغير أسوياء، بل وأصبح خطراً يهدد المجتمع؛ لأنه دخل كل منزل، فهو كالقنبلة الموقوتة التي يمكن أن تنفجر في أي لحظة، بل يمتد أثره وتدميره للمدى البعيد. وأشار إلى أن من أهم المشاكل التي يخلفها التصوير هدم المنازل والتفكك الأسري وتوتر العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة، بسبب مقطع أو صورة خاصة التقطت من قبل طفل أو خادمة أو أي فرد من أفراد الأسرة ونشرت، وكان لها صدى سلبي مخيف، مبيناً أن ضرر التصوير غير المنضبط قد يتعدى إلى هدم العلاقات بين الأصدقاء وزملاء العمل والأقارب والجيران من خلال التقاط مقطع أو صورة بهدف المزح أو الانتقام أو التشارك والتسلية. أزمات نفسية وتأسف "د.الأسمري" على أن التصوير سهّل كثيراً من عمليات الابتزاز المادي والجسدي، وعمل على نشر الخوف والهلع والأزمات النفسية، من خلال حرية التصوير المطلق وغير المقنن للحوادث والكوارث بأنواعها، حيث نلحظ كثرة التجمع والتصوير الجماعي عند الحوادث المرورية ببشاعة مناظرها، والمصور بذلك يشارك في توسيع دائرة الألم بنشر هذه المآسي، منوهاً إلى حدث قريب وهو تصوير ونشر مقطع تنفيذ الحكم الشرعي ب"العاملة البرماوية" متسائلاً: أخذت عقابها الشرعي فلماذا نُصدر بكاميراتنا حكماً آخر أشد إيلاماً عليها وعلى المجتمع وأسرتها باستعادة هذه اللقطات الموجعة؟، مؤكداً على أن علاج الاضطرابات النفسية التي قد تخلفها مثل هذه الصور الخوف والقلق والاكتئاب والوسواس القهري والعزلة الاجتماعية، والتي قد تتحول إلى مرض عضوي "فسيولوجي" خطير ليس من السهل علاجه، لاسيما والمجتمع لديه من الأزمات وضغوط الحياة ما يكفي، مُشدداً على ضرورة التوعية بأضرار ومخاطر التصوير العشوائي غير المنظم، وإذا لم يكن هناك علاج وتوعيه دائمة فسيكون هناك فجوة وخلل كبير في المجتمعات، وفي جميع الجوانب النفسية والأسرية والاجتماعية. تصوير الأشخاص في الأماكن العامة بدون استئذان انتهاك للخصوصية وتجاوز على حقوق الآخرين د.محمد المحمود م.فهد رفاعي د.عبدالعزيز العقيل د.عبدالله الأسمري