عندما نسمع شعرا شعبيا يقول: ياهل الديرة اللي طال مبناها. أو: النايف العالي أو: القصر المنيف، فإننا غالبا نتحدّث عن عنصر الأمن، فكلما طالت المباني المهمّة، وارتفعت أسوارها وشمختْ إلى الأعلى، فإن فرصة الدفاع عنها ستكون أوفر، وفرصة إخضاعها والتغلّب على من بداخلها ستكون أقل. وقرأتُ عبارة "يتطاولون في البنيان" في الحديث الشريف، ومن العبارة نقتبس أن ارتفاع المبنى كان فخرا واعتدادا بالنفس وقد يصل إلى الغرور والتكبّر أو الإعجاب بالنفس. تلك النظرة التراثية استبعدت العامل الاقتصادي وغلاء سعر المتر من الأرض الذي يُبرر الآن وجود ناطحات سحاب Sky scraper وستلاحظ أن التسمية العربية تختلف تماما عن المصطلح الإنجليزي الذي يمكن ترجمته الحرفية أن تأتي: الشاقّة طريقها نحو السماء. ولا ذكر لمفردة سحاب أو نطحه ولا مناطحته! وكانت بناية إمباير ستيت في نيويورك ولا تزال مزارا تقصده الأفواج السياحية. غير أن معالم أُخرى في عواصم أُخرى أخذت مكانا بارزا في مثل ذلك النمط الإنشائي، مثل برج كناري في لندن، بعد أن كان الإنجليز يُصابون بالدوار عند الصعود إلى أماكن مرتفعة. تلك البيئات المستجدة في أنظمة معيشتنا كبشر أورثت أعباء لم تكن موجودة، وتطلّبتها كل الأنظمة الحضرية. تلك الناطحات أصبحت تضم شبكات وأنظمة متداخلة ومعقّدة، ولا بد أن تتماشى مجتمعة مع النظام البلدي والأمني، وتلك الأمور مسؤولية الشركة المالكة، حتى عناصر الرقابة والحراسة والأمن أضحت واجبا على عبء المالك أو – حسب عقده – مع شركة الإدارة والصيانة. تلك أعباء مالية قد لا يوازيها الإيراد. وأرى أن ناطحات السحاب في العالم جزء من عملية تحقيق ميزة أو اعتبار قومي أو هيبة واحترام يريد صاحب الملك أن يتمتع به. وتسمية تلك العمارات بالأبراج في رأيي خطأ فهي تذكر السامع أو القارئ بالأبراج الفلكية، أو تلك التي تظهر في الصحافة بشكل يومي وينشغل بعضنا بمعرفة ما تخفيه عنه الأبراج من حظ وافر! أو تعاسة. ونعرف جيدا أي الأبراج التي ننتمي إليها. أقول أعتقد أن التسمية يجب أن تكون (بروج). وفي التنزيل الحكيم (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ) النساء. وتشير الصحافة الخليجية إلى أن منافسة حادة تواجه برج دبي، من المشروعات الأخرى في الخليج التي يطمح القائمون عليها أن يتجاوز ارتفاعها ارتفاع برج دبي. وقالت جريدة "القبس" الكويتية: "لكن فيما يعول أصحاب المشروعات على الشهرة والمجد في السباق على بناء أطول برج أملا في تحقيق عوائدها، قد يكون إنفاقهم للأموال في هذه الاستثمارات ذا أمل ضئيل بعودتها".