تناولت معاهد الأبحاث الأميركية والبريطانية، ووسائل الإعلام المختلفة حول العالم، خلال الشهر الجاري، قصة الصواريخ الكورية، وتأثيراتها المحتملة على الأمن الدولي. في سياق هذه المقاربة، ثمة جملة أمور لا بد من ملاحظتها على هذا الصعيد: منها التفريق بين القدرة على إطلاق صاروخ ووضعه في المدار من جهة، وبين إمكانية تحميل الصاروخ برأس نووية. مبدئياً، يُمكن القول إن وضع دولة ما لقمر صناعي حول المدار يعني، من الزاوية التقنية، امتلاكها لمحركات صواريخ عابرة للقارات. ومحرك الصواريخ هذا يُمكن استخدامه في تطوير ناقل صاروخي للقنبلة النووية. هذا على المستوى النظري، أما عملياً، فهناك تحديات ذات صلة بتصميم الرأس النووية، المراد حملها على الصاروخ الباليستي، وكيفية انفصال الصاروخ عنها في مرحلة من مراحل التحليق شبه النهائي. وهناك أيضاً مسألة توجيه الصاروخ والتحكم في مساره، بما في ذلك المرحلة التالية لخروجه من الغلاف الجوي. كذلك، هناك مسألة زنة الرأس الحربية، وعلاقتها بقوة الدفع الصاروخي. وقد يعني الإخفاق في صياغة هذه المعادلة إخفاقاً في كل شيء. إن النجاح الكوري الأخير يعد نجاحاً أولياً، وغير حاسم أو نهائي، في مقاربات الدفاع. في السياق الكلي، لا بد لأية مقاربات علمية من التفرقة بين أصل القدرة الصاروخية والقدرة الصاروخية النووية، أي وجود صواريخ يُمكن استخدامها كناقل للقنبلة النووية. المسألة هنا ليست واحدة، وإن ظلت متداخلة بحكم الأمر الواقع. كذلك، فإن الردع الصاروخي ليس هو ذاته الردع النووي، ولا يُمكن أن يعد بديلاً عنه، بالمنظور الإستراتيجي العام. وعلى الرغم من ذلك كله، فإن "التحدي الصاروخي" الكوري، يُمثل اليوم النموذج الأكثر وضوحاً للتحدي الصاروخي على صعيد دولي، وتحديداً تحدي الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى. ويعبر هذا التحدي عن إخفاق الأسرة الدولية في بلورة معاهدة أو تفاهمات متعددة الأطراف، للسيطرة على هذا الوضع. والحديث عن الصواريخ الكورية هو في الأصل، أو بالدرجة الأولى، حديث عن الصواريخ الباليستية وليست الجوالة. وعلى الصعيد العلمي، تصنف الصواريخ الباليستية من حيث المدى إلى أربعة أصناف: صواريخ قصيرة المدى (SRBM)، أي أقل من 1000 كيلومتر. وصواريخ متوسطة المدى (MRBM)، أي بين 1000 – 3000 كيلومتر. وصواريخ متوسطة أكثر تقدماً (IRBM)، أي بين 3000 – 5500 كيلومتر. وصواريخ عابرة للقارات (ICBM)، أي أكثر من 5500 كيلومتر. وفي الوقت الراهن، تمتلك كوريا الشمالية جميع هذه الأصناف. وعلى الرغم من ذلك، فإن امتلاك صواريخ بهذه المديات لا يعني وحدة أو تماثل القدرات الصاروخية بين الدول المختلفة. هناك معايير كثيرة للحكم على تطور القدرة الصاروخية للدول، منها نوعية الوقود الذي يعمل به الصاروخ، وما إذا كان صلباً أو سائلاً، أو بمرحلتين، واحدة بالوقود الصلب والثانية بالوقود السائل. وهناك من جهة أخرى دقة التوجيه، واستتباعاً التصويب، بحيث يصيب الصاروخ هدفه المحدد بدقة. وتأتي بعد ذلك مسألة سرعة الصاروخ، ومستوى تجاوزها لسرعة الصوت. وزيادة السرعة تعني تقليص زمن التحليق، وزيادة فرصة إصابة الهدف، عندما يكون على مسافات بعيدة من نقطة إطلاق الصاروخ. في الوقت الراهن، لا تنتج الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى (من 1000 كلم إلى 5500 كلم) في كل الولاياتالمتحدة وروسيا، بموجب معاهدة العام 1987، لكنها تنتج في دول كثيرة حول العالم. في المقابل، تنتج الصواريخ العابرة للقارات في ثماني دول. وتنتج شركة لوكهيد مارتن الصاروخ الشهير العابر للقارات (Atlas)، والصاروخ الباليستي العابر للقارات، المثبت على متن الغواصات (Trident II)، والصاروخ جو – أرض الشهير (HELLFIRE II ). كما تنتج شركة (BAE Systems) البريطانية عدداً من أهم أنظمة الصواريخ المعروفة عالمياً، كما تصنف هذه الشركة الأولى أوروبياً على مستوى القدرات، والثالثة عالمياً.