بعد مرور أكثر من عقد على إعادة إحياء سوق عكاظ، الذي أعده خطوة مهمة في تاريخ المملكة الثقافي، لابد من نظرة نقدية لدور هذا المهرجان. أرى أن سوق عكاظ يحتاج إلى مراجعة إستراتيجية لدوره ضمن قطاع من المؤسسات الثقافية. إن أبرز ما يلفت النظر هو البنية النمطية للبرامج الثقافية التي أصبحت سمة معظم المهرجانات الثقافية، حيث تتضمن حفل افتتاح غنائي وأمسيات شعرية وندوات فكرية وسوقا تجارية وبعض الحفلات الاستعراضية. إن أول ما يحتاجه سوق عكاظ هو استثمار هويته العريقة ليتميز بها عن غيره من المهرجانات التي نعرفها ونسمع بها. والأمر ليس مقصورا على سوق عكاظ بل على جميع المؤسسات الثقافية سواء كانت مهرجانات أو مؤسسات خدمية أن تبحث عن هوية خاصة بها تذهب عميقا أبعد من الاسم والملابس التراثية. سأتناول بالنقد وجهين من أوجه العمل الثقافي في المهرجانات وهو الندوات وحفل الافتتاح. أجد الندوات في كل مهرجان ثقافي من التشوهات التي تتسم بها الثقافة في مجتمعنا. أصبحت الثقافة مرتبطة بالطرح الأكاديمي خاصة، الذي اعتاد الاتصال من فوق المنصات مع وجود عدد من الميكروفونات وآلات التصوير. هذا الوعاء الأكاديمي لا يصلح إلا في الجامعات وبيوت الفكر (ثنك تانك) التي يتسم إنتاجها بالنخبوية. أما في المهرجانات الكبيرة المفتوحة للعموم فلا يجب أن يكون دور المثقف في الواجهة، بل من الأولى أن يعمل خلف الستار. فعلى المهرجانات الثقافية لدينا الخروج من ربقة الأكاديمية والبحث عن آليات جديدة للترفيه الثقافي والتشويق التعليمي، بدلا من بناء منصات عاجية لممارسة الوجاهة الأكاديمية. فيما يخص حفل الافتتاح، سنجد أن محتوى الافتتاح في بنيته الداخلية لا يكاد يبتعد عن التالي: حفل غنائي، قصائد منبرية، وتكريم لعدد من الشخصيات. كيف يمكن أن يتفرد افتتاح سوق عكاظ عن سواه من المهرجانات، مثلا؟ عند النظر في المهرجانات العربية على أقل تقدير، ستجد غيابا بينا للمسرح. ورغم اهتمام سوق عكاظ بالمسرح من سنينه الأولى لكنه تضاءل حتى أصبح يقدم محاولات بسيطة لا تتناسب مع المكانة الثقافية للسوق. ما يحتاجه سوق عكاظ هو أن يقدم مسرحا جادا كبيرا يتكرر عرضه على مدى سنوات ويتنقل بين العواصم بحيث تجلب له المواهب وتوفر له الإمكانات. بل ماذا يمنع أن تكون بنية سوق عكاظ كلها معتمدة على المسرح التفاعلي، فيصبح به السوق مدينة تراثية من القرن الأول الهجري، أشبه ما يكون (بديزني لاند) ثقافي؟