لم يستوعب بعد تنظيم الحمدين والإعلام الذي يدور في فلكه، موقف الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب. لا يزالون يعتقدون أنها مباراة سياسية يمكن توظيف الأدوات فيها، والمناورة والدفاع والهجوم لتحقيق مكاسب ما. هذا الموقف المضحك الذي يفتقد للوعي السياسي، يدعوا لليأس. سخيفة على المتعاطفين والمؤيدين ولا منافسة على مكسب ما وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، قال يوم الخميس ال13 من يوليو، «إن القطيعة مع قطر ستطول، ولن تكون هناك نهاية سريعة للخلاف بينها وبين والدول العربية الأربع المقاطعة لها». كان يمكن قراءة هذا التصريح حتى قبل أن يقوله قرقاش، منذ أن أعلنت الدول الأربع المقاطعة في مؤتمرها الصحافي الذي عقد في القاهرة في الخامس من يوليو الجاري على لسان وزير الخارجية المصري الرسالة الأولى لهذا اللاوعي القطري بالأزمة حين قال إن «رد قطر سلبي ويفتقر لأي مضمون». الرد السلبي الفارغ من أي مضمون يمكن التعويل عليه، هو باختصار عنوان السياسة القطرية التي يقودها هذا التنظيم الغارق في الوهم والحقد في التعامل مع محيطها. كل حضورها الإيجابي واتفاقاتها وعلاقاتها وحتى تعهداتها في التعامل مع جوارها وتحدياتها ومصالحه وأمنه «كلام فارغ». أما ثقلها وموقفها الحقيقي فهو ما يمارسه الحمدين في الخفاء من تخريب واستقطاب حاقد غارق في أوهام العظمة. وبمثل هذا الرد الفارغ، كانت تحركات السلطة القطرية على المستويين الدولي والمحلي. إنهم يدورون في حلقة ضبابية مفرغة ويخوضون مع أنفسهم جدلاً عقيماً غائماً في المسميات والمصطلحات والتبريرات، من دون بادرة حقيقية واحدة للوضوح. كل ما نفهمه من تصريحاتهم أنهم يريدون أن تكون التسمية حصاراً لا مقاطعة، وأنهم يستجدون التعاطف الشعبي والدولي، وأنهم يرفضون التعدي على سيادتهم. هذا هو ملخص تحركاتهم ل»الحل». هذا الملخص تتفرع منه دوامة من التناقضات التي بات الجميع يعرفها: «نحن اثرياء لكننا نريد معونات. لن نسمح بالمساس بسيادتنا، لكنكم حاصرتمونا ولم يعد لنا سيادة، وغير ذلك كثير! لا يدرك هذا التنظيم وإعلامه أن جولات وزير خارجية المملكة المحنك، ليست للتبرير وحشد الدعم، فالمملكة ليست بحاجة لهذا الحشد والتبرير كي تمارس إجراءات سيادية أو تقرر قراراً تراه في مصلحة أمنها القومي. إنما نحن نحكم بحارنا وأجواءنا وتراب أرضنا كما تفعل أي دولة وفق قانون العالم. ولو كانت المملكة بحاجة أي من هذا أو تخشى أحد ما، لحشدت وبررت قبل أن تتخذ قرارها. إنما الأمر قد قضي، وما يتبعه هو إيضاح للعالم البعيد والقريب، بيان تحتمه مكانة المملكة الدولية وثقلها السياسي والأمني في المجتمع الدولي، وتفرضه سمعتها التي اكتسبتها بجدارة كدولة كانت ولا تزال وستظل مؤمنة بالصبر وتقديم الحلول الحكيمة للمشكلات، والتعايش السلمي مع محيطها العالمي، وتدفع من أجل ذلك مالها ووقتها ورجالها. إنه أمر قضي وخيار باق: إما شراكة حقيقية صادقة أو فراق بيّن.. وعلى شعب قطر أن يختار مصيره بحسم قرقاش قال أيضاً في تصريحاته «نحن أمام خيارات سيادية سيمارسها كل الأطراف، حسب مصالحه الوطنية وثقته في من حوله وقراءته لجواره، ولعله الأصوب في ظل اختلاف النهج وانعدام الثقة». وهذا يتطابق تماماً مع ما قاله سفير المملكة لدى الأردن، ومفادة أننا لسنا بحاجة قطر، وبالعربي «لا تجيني ولا أزورك. لديكم غاز ونفط يغنيكم فليبارك الله لكم». الخلاصة أن الدول المقاطعة ليست بحاجة إلى قطر بسياستها الحالية، وإذا كانت تريد أن تحشد رأيا عاماً لتغيير سياسات المملكة وشركاءها، نقول لها استيقظي من أوهام «تنظيم الحمدين»، ليس لديكم من العالم سوى بحركم وبركم وجوكم، وتنظيماتكم وقناتكم ف»أشبعوا بها». وختاماً أرجو أن يعي شعب قطر الذي يهمنا أمره أولاً وأخيراً، أن العالم من حولنا يموج بالفتن والكوارث والحروب، ونحن في قلب هذا البحر المتلاطم، فالقضية ليست مباراة على تحقيق المكاسب الشعبية، وليست مسابقة سخيفة على لقب أحسن وزير، أو أوسم أمير. ولا هو ميدان تنازع على المتعاطفين والمؤيدين وسائقي التكاسي وحاملي الإعلام، ولا منافسة لقناة الجزيرة أو غيرة من قطرة في بحر العالم. إنه أمر قضي وخيار باق: إما شراكة حقيقية صادقة أو فراق بيّن.. وعلى شعب قطر أن يختار مصيره بحسم.