كثيرون في المؤسسات العامة والخاصة، ما زالوا يعتقدون أن التحكّم في الرسالة الإعلامية وتوظيف الماهرين في الاتصال كفيل بتحقيق علاقات إيجابية مع الناس وتجميل وجه المؤسسة وقادتها أمام جماهيرها، وهذا المعتقد فيه نسبة معينة من الصحة، ولكن هذه النسبة تضاءلت كثيرا عبر السنين؛ ولعلّ من أهم أسباب تضائل التأثير المباشر للإعلام بروز حقيقتين: الأولى: ارتفاع نسبة التعليم وما تبعه من وعي عام عند مختلف الشرائح، والثانية: فقدان الإعلام المؤسسي حضوره أمام وسائل الاتصال الشخصي التي جلبتها التقنيات الحديثة، وعلى راسها الإنترنت وتطبيقات الهواتف الذكية. ومن هنا تجد أن بعض من يضخ الأموال ويستقطب الموارد في المشاريع والبرامج الإعلامية الموجهة يتفاجأ بنتائج متغيرة، وأحيانا صادمة غير مستقرّة تبعا لتقلّب المزاج العام للناس، والتأثير التراكمي للرسائل التي يتلقونها عبر وسائط الإعلام البديل الذي يبثّ (العاديون) معظم محتواه إلى (عاديّين) مثلهم؛ وكانت النتيجة أن بعض من يوظفون الإعلام لتسويق أفكارهم ومبادراتهم حاولوا تفادي الخطأ، فارتكبوا خطيئة أخرى حين قاموا بتوظيف (نجوم) الإعلام البديل أو استضافتهم للقيام بدور المؤثر في الجماهير المستهدفة، الإشكال هنا أن النجومية لا تعني التأثير، والشهرة لا تعني اكتمال المصداقية في المصدر خاصة في موضوع الأفكار لأن هؤلاء النجوم سير شخصية مفتوحة بكل التناقضات التي هي وقود الشهرة الجماهيرية من باب الفضول وأحيانا الازدراء. أما ما قد يحصل من تأثير ففي غالبه تأثير انفعالي وقتي لا يلتزم بالشروط الإعلامية في تقاليد الإعلام المؤسسي الذي تعزّزت رسائله متكئا على إرث ما من الموضوعية والمصداقية. أمّا الحقيقة التي لم تتغيّر كثيرا فتقول إن الإعلام لا يمكنه أن يغير الحقائق خاصة في زمن العلم والانتشار الجماهيري للإعلام البديل وسهولة الوصول إلى المصادر الحرّة من كل مكان؛ وحتى تتزن الصورة أكثر نقول إن الإعلام التقليدي وحتى الجديد المستأجر يمكنه أن يجمّل بعض الواقع لفترة من الزمن ولكن هذا التجميل لا يمكث في الأذهان طويلا. والأخطر من ذلك أن الإعلام بجناحيه التقليدي والجديد إذا دخل الدهاليز وانكشفت أمامه الأوراق سيكون الكاشف الخطير يوما ما لخلفيات المسرح الإعلامي بعد زوال الرغبة (المال) والرهبة (السلطة) عنه؛ ومن قرأ مذكرات بعض الإعلاميين ومسؤولي المؤسسات الإعلامية العربية سيجد أن الإعلام الذي كان خادما مطيعا يوما ما لم يحفظ سر أسياده بل تاجر بها وعرّى مرحلته واعترف بدوره متحجّجاً بالضغوط والجهل، وأحيانا بالحماس والوطنية. * قال ومضى: المأساة حين يقول الصمت حكمة من يتاجر في الكلام بالذهب.