هل يمكن أن تعيش تجربة جديدة دون أن تغادر بلدك أو حتى منزلك؟ هل يمكن أن نجعل طعامنا اليومي مصدراً إضافياً لبهجتنا؟ هل يمكن أن يكون تحدي ذاقتنا سبباً لرفع مستوى السعادة واكتشاف مصادر جديدة لها؟ بالتأكيد هذا ما يحدث حينما يصبح تذوق ما نأكل وسيلة لاكتشاف ما نأكل, وإصراراً على التلذذ بكل قضمة, ومحاولة لمعرفة مكونات ما نأكل, وما أضيف لها ومنع عنها, ناهيك عن محاولة التعرّف على الخلفية التاريخية للطبق, وإلى أي الأمم ينتمي وكيف تطور ووصل إلى شكله الحالي. استذواق الطعام والشراب ليس ترفاً, وليس مشروطاً أن يكون طعاماً جديداً أو غير مألوف لك, بل من الممكن أن تستذوق طعاماً محلياً ومألوفاً لك, شرط أن تركز قليلاً في آليات التذوق, والتي تبدأ بمعرفة أصل الطبق ومكونه الأساسي, وطريقة مراحل إعداده, بالإضافة إلى معرفة الذوق الذي يستهدفه معد الطبق, ثم أخذ قطعة صغيرة منه وجعلها أمام الفم, ثم شم الرائحة بهدوء, للتعرف على مدى ألفته لك وعما إذا كان مناسباً لذوقك, بعد ذلك أمضغ الطعام وتعرف على مكوناته مضغة.. مضغة, وقارنه تجاربك السابقة مع نفس الطبق, أما اذا كان غير مألوف لك فمن الضروري أن يلامس الطعام طرف لسانك قبل أن تمضغه, حتى تتأكد من عدم نفورك منه, فإذا تقبلت رائحته وطرف طعمه؛ فاهرسه على أطراف وجنتيك داخل فمك, وفي هذه اللحظة سوف تكون كونت فكرة عن طعم ومكونات الطبق, لكن تذكر أنه يجب أن تبتلع الطعام في كل الأحوال بعد أن تكون أدخلته فمك, لأن بصقه في هذه اللحظة سوف يزيد شعورك بالنفور من الطعام ويتعُبك أكثر. والرائع في الأمر أن كثيراً من الطهاة السعوديين الشباب أضحى أكثر جراءة في الابتكار, فمن الحنيني بالسوفلية إلى ستيك المرقوق إلى كبسة الرز بورق العنب, إلى الكثير من الإبداعات التي طعّمت مطبخنا التقليدي بإضافات غير تقليدية, ونقلته إلى مستوى مختلف تماماً. وحسناً فعل الطاهي السعودي الشاب "أحمد مساوى" الذي نقل تجربته في تذوق الطعام في كتاب لذيذ وشهي, أسماه "استذواق", الذي يؤكد فيه على ضرورة التركيز على الطعم والمذاق في الأكل, والعمل على تدريب الحواس لإدارك مكوناته ومذاقه, فقد تكتشف بعد حين أنك تأكل أطباقاً لا تعجبك أساساً على حد قوله, فالكثير يكتفي بملء البطن بالطعام اللذيذ المعتاد, ولا يركّز على محتويات أكل, سواء مصدر المكونات أو طريقة طهيها, ناهيك عن أسلوب الطبخ وابتكاريته, فيخسر الكثير من اللحظات المبهجة واللذيذة, التي من الممكن أن تتكرر عليك يومياً, فقط متى آمنت أن الطعام إحدى وسائل اسعاد النفس والحب أيضاً! كما يقول الساخر الشهير برنارد شو: "لا يوجد حب مخلص أكثر من حب الطعام".