كثيراً ما نقرأ إحصائيات ودراسات ترصد حلول الكمبيوتر والعقل الاصطناعي محل الكوادر البشرية، وبدأ الاستغناء فعلاً بهذه الاختراعات عن العديد من الوظائف، وقد تسابق الروائيين والكتاب بقصصهم عن هذا التنافس بين الآلة والبشر كلاً برؤيته وتصوره عن حجم الأضرار والمميزات، وفي السنوات الأخيرة أصبح واضحاً حجم التباعد الاجتماعي والتأثير السلبي لاقتحام الأجهزة الذكية حياتنا، وارتباطنا الضروري بها. "هيَ" أو "her" فلم من تأليف وإخراج (سبايك جونز) تدور أحداث القصة في المستقبل عن رجل وظيفته كتابة الرسائل بين الناس في المناسبات، ينفصل عن زوجته ويعاني من حالة اكتئاب وعزلة جراء ذلك، يشتري نظاماً آلياً شخصياً يهتم به طوال اليوم ويساعده في تنظيم أموره الشخصية والمهنية وتسليته. مع الوقت يتطور النظام سريعاً ويبدأ في محاكاة السلوك البشري فيقع البطل -الذي جسد شخصيته- خواكين فينيكس، والنظام بصوت "سكارليت جوهانسون" في علاقة غرامية، وتتعقد الأمور بينهما لأن النظام الآلي يشعر بالنقص لعدم قدرته على أن يكون واقعياً، ويحاول أن يجد حلولاً لكي يكون مادياً لكنه يفشل. يسيطر النظام على البطل بالكامل كل لحظة في حياته وبدون أن يشعر هو بشيء من الغرابة، يحدث أن يحاول في نهار ما أن يتواصل مع نظامه لكنه يجده خارج الخدمة، فيصاب بخوف وهلع شديدين، وبعد أن يعود النظام للعمل يستعيد هدوءه واتزانه، ثم يقف لدقائق مفكراً في هوسه بهذا النظام، ويظل ينظر إلى الناس حوله وهم في حالة استغراق تام مع أجهزتهم، ولا يوجد تواصل بين البشر وبعضهم! القصة تخفي بين طياتها مضموناً آخر، وهو الشريك المثالي الموجود في عقل كل إنسان، ويحاول البحث عنه في مجموعة اختياراته على العالم الرقمي لكنه يضل رهن العالم الافتراضي، فالبطل رغم حبه الكبير لزوجته السابقة إلا أنه يعترف بتقصيره الكبير معها. المخرج عمل على عدم المبالغة في الصورة المستقبلية للظروف المكانية كما يفعل أغلب مخرجين الخيال العلمي، بدا المحيط مألوفاً بهندسة وتنظيم جذابين، والأزياء وقصات الشعر مشابهة لموضة السبعينات والثمانينات، وأظهر الطقس بهالة من التلوث الضبابي البسيط، كما كان السيناريو مشبعاً وثرياً بشكل مميز.