طالب عضو مجلس الشورى السابق والناقد الأستاذ بحامعة الملك سعود د. عبدالله الفيفي بضرورة إنشاء مجمع للغة العربيّة في المملكة. معللاً ذلك بأن كثيرٌ من علماء اللغة العربية سعوديون, هم أعضاء فاعلون في مجامع اللغة العربية في الدول العربيّة، أفليس بلدهم أولى بهم؟, حيث إن من أهداف المجامع اللغويّة خدمة العربيّة، وتعزيز سيادتها، والحرص على سلامتها، وتعميمها ونشرها، والسعي إلى تطوير وسائل تعليمها، وضبط استعمالاتها، وتوحيد مصطلحاتها العلميّة والفنّيّة، وإحلالها محلّ الأجنبيّ الشائع في المجتمع والأوساط العلميّة والثقافيّة، وإيجاد البدائل العربيّة عمّا يجدّ من مصطلحات واستعمالات، فضلاً عن إحياء التراث العربيّ وتحقيقه. كاشفاً أنه صدر عن مجلس الشورى قبل أكثر من اثنتي عشرة سنة نظام لإنشاء مجمع سعودي للغة العربيَّة، ومع أن هذا المشروع قد تأخَّر كثيرًا، فإنه لمَّا ير النور بعد. مجدداً مطالبته بتحويل مركز الملك عبدالله الدولي لخدمة اللغة العربية إلى مجمع لغوي، بأسسٍ جديدة، تستفيد من تجربة المجامع العربيَّة وتتلافى أوجه قصورها وشدد على تطوير هذا المركز ليضطلع بآفاق اللغة العربيَّة المتعدِّدة، من حمايةٍ وخدمةٍ وترجمة. وبين الفيفي في حديثه أن من أهمّ ما يتوقّع أن ينهض به مجمع للّغة العربيّة والترجمة في بلادنا أن يكون أحد السُّبل إلى التعريب والترجمة، والتعليم الجامعي باللغة العربيّة. وذلك كما تفعل كلّ أُمم الأرض الحيّة، التي تُنفق على الترجمة ونقل المعارف إلى لغاتها، وتوطين التقنية في بلدانها، بسخاء لا محدود، مراهنة على هذا النهج في بناء مستقبلها. على أن دور المجامع لن يتمّ ما لم تلتزم وزارات التربية والتعليم، ودُور التعليم المختلفة، والإعلام، والجهات الثقافية، والوزارات والهيئات العامّة، وغيرها، بتنفيذ ما يُصدره المجمع من قرارات. فالعمليّة تكامليّة، وليست ترفًا علميًّا لغويًّا لا يعني سوى شيوخ المجامع. وهذا الخلل هو ما دفع مجلس الشعب المصريّ منذ حين إلى إصدار قانون لإعادة تنظيم مجمع اللغة العربيّة. وقد أشارت مادة ذلك القانون الثالثة إلى إلزام الجهات المعنيّة بما يصدر عن المجمع من قرارات، ومتابعة تنفيذها، وتذليل أيّة صعوبات تواجهها، وتقييم مستوى الأداء في هذا الأمر، وأن الالتزام بذلك يُعَدّ أحد الواجبات العامّة الملقاة على العاملين في الأجهزة المختلفة، كلّ في مجال اختصاصاته، ويترتّب على مخالفة هذا الالتزام مسؤولية تأديبيّة على المخالف. واستطرد الفيفي في حديثه بقوله: "إذا كان كثير من دول العالم العربي (كمصر، وسورية، والعراق، والأردن، والسودان) قد أقامت مجامع للغة العربيّة منذ عشرات السنين، وإذا كانت دول العالم الحية جميعها تقيم مجامع أو مراكز للغة والترجمة منذ تأسيسها، فإن المملكة هي قلب العروبة، وكانت من بدهيّة الأشياء يفترض أن يقوم مجمع للغة العربيّة فيها قبل أيّ دولة عربيّة أخرى، كما قام فيها منذ سنوات مجمع للفقه الإسلاميّ، ومجمع للمصحف الشريف. وعن "مدى الحاجة إلى تأسيس مجمع لغويّ ومدى الحاجة إلى اللغة العربيّة في السعوديّة اليوم أجاب قائلاً: إن اللغة العربية تشهد هجمتين شرستين من اللغات الأجنبيّة واللهجات العامّيّة، تريدان أن تستأثرا بالحياة والثقافة والعلوم، فتذهب العربية بينهما أدراج الأسئلة والتردّدّ. واستغرب الفيفي أن الحفيّون بشأن العربية ودعم مواكبتها هذا العصر وبعد ردح طال من الحُلم بإنشاء مَجْمَعٍ واحد للغة العربية في الجزيرة العربيّة, فوجئوا بتدشين فضائيّات شتّى للعاميّة، وابتكار مهرجانات ومسابقات بعرض الخليج وطوله، للتراث الشعبي والشعر العامّي، حتى أصبحت العاميَّات العربية معول هدم قِيَمي، لا لغوي فقط، وصارت محافلها منابر للنعرات العُنصريَّة بين العرب، كأن العرب لم يعودوا عربًا، ولا أُمَّة واحدة، بل قبائل متناحرة ولهجات متناثرة، باتت تسمَّى "لغات"! وكلٌّ يُغنِّي على ليلاه المحلِّيَّة، بلهجته القُطرية. ولفت إلى أن "العربية" تتفاجأ بالتوجّه المحموم إلى تعليم الإنجليزيّة منذ مراحل الطفولة المبكّرة، في حين مازال السؤال يُطرح منذ عقود طويلة عن "مدى الحاجة إلى تأسيس مجمع للغة العربيّة". يأتي هذا على الرغم ممّا تُصدره المؤتمرات العربيّة والقِمم السياسيّة من توصيات بحماية اللغة العربيّة. وسألناه في ختام حديثه "لثقافة اليوم" هل هناك أسباب مقنعة على الإطلاق تقف في طريق تنفيذ هذه الخطوة؟ فأجاب: المؤمل أن ينهض مجمعنا المنشود على أُسسٍ جديدة، وبقُدرات تتناسب مع أهميّته، وما تُعقد عليه من آمال، وأن يستفيد من خبرات المجامع العربيّة التي سبقتنا في هذا المضمار، كي لا يكون وجوده كعدمه. وحول الجدليّة الدارجة التي تقول: إن مجامع اللغة العربية على كثرتها واختلافها قد فشلت في تحقيق أهدافها، فلماذا نكرّر التجربة؟ يقول: إن فشل تجربة لا يعني الحكم بالفشل الحتميّ، بل تجب دراسة أسباب الفشل. مَثَل هؤلاء كمَثَل رجل أراد أن يربّي نحلًا، فلسعته نحلة، فقرّر إبادة النحل كلّه، ناسيًا أنه "لا بُدَّ دونَ الشَهدِ مِن إِبَرِ النَحلِ". يجب الاعتراف هنا أن المجامع اللغويّة العربيّة واقعة بين طائفتين، أولاهما ترى العربيّة ما قاله الأوائل ولا زيادة عليه لمستزيد, والأخرى ترى الإبداع اللغوي يتعارض مع مشروعات تلك المجامع، متناسيةً جهودها في خدمة اللغة العربيّة وتراثها، لا ترى فيها إلا السلبيّات والنقائص، محمّلةً إيّاها فشل غيرها من الجهات التنفيذيّة لقراراتها، أو بالأصح المستخفّة بتلك القرارات. د. عبدالله الفيفي