تفاجأ الرأي العام العربي والإسلامي والعالمي وسيظل متفاجئا بما سمع وشاهد وقرأ من تصريحات رسمية من رأس السلطة في دولة قطر الشقيقة. تصريحات أقرب ما تكون للخيال أقرب منها للواقع. تصريحات تبرر الإرهاب وتبرئ التنظيمات والجماعات الإرهابية من أفعالها. تصريحات تساند وتؤيد من يدعم ويمول التنظيمات والجماعات الإرهابية. تصريحات تجاوزت قواعد ومبادئ القانون الدولي من أوجه عدة. تصريحات تدل بعدم إدراك مبادئ العلاقات الدولية. تصريحات أبعد ما تكون عن المفاهيم الأساسية للسياسة الدولية. إن الحقائق التي توصل لها المجتمع الدولي ممثلاً بدوله الرئيسية الإقليمية والعالمية جعلتهم يصنفون تنظيمات محددة بأنها تنظيمات إرهابية، وفي نفس الوقت المعلومات الدقيقة جعلت المجتمع الدولي يصنف أنظمة سياسية معينة بأنها نظم سياسية إرهابية وتقوم على الإرهاب. فهل المجتمع الدولي بدوله الرئيسية والعظمى ومؤسساتهم الاستخباراتية وما يملكون من معلومات على خطأ، والمؤسسات التي تعمل في دولة قطر الشقيقة هي الأكثر صحة؟!! إن ما صدر من تصريحات من دولة قطر الشقيقة يدعونا للتفكر والتفكير كثيراً. فهل تعني الدولة الشقيقة ما تقول، وهل فعلاً مقتنعة بما صرحت به. عندما صنف العالم جماعات معينة بأنها جماعات إرهابية كحزب الله في لبنان وجماعة الإخوان المسلمين وجماعة الحوثي وتنظيم داعش وجماعة القاعدة وغيرها من جماعات وتنظيمات إرهابية استندوا إلى حقائق ومعلومات وشواهد لا يمكن تغافلها. وإذا كانت هذه الحقائق غير واضحة بالنسبة للدولة الشقيقة قطر، فإن الواقع الذي نشاهده من ممارسات وقتل تقوم به هذه الجماعات والتنظيمات الإرهابية دليل بيّن وواضح. فهل هذا الواقع الصعب الذي تعيشه الأمة العربية والإسلامية من ممارسات إرهابية تقوم بها هذه الجماعات في العراق وسوريا ولبنان واليمن ومصر وفي دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي غير ظاهرة أو غير معروفة. إننا في دول مجلس التعاون نتطلع لأن تكون دولنا قوية ومتمكنة في جميع المجالات وأيضا نتطلع لأن يكون مجلس التعاون لدول الخليج العربي أكثر تماسكاً وصلابة. فلن تثبطنا كلمات ولن يثنينا عزم خاصة وأن الحكمة وسداد الرأي إحدى المميزات التي تميز قادتنا وعندما صنف العالم الدولة الإيرانية، وبشكل أكثر دقة النظام السياسي الإيراني، بأنها الدولة الأولى الراعية للإرهاب العالمي، كانت الأدلة القائمة والحقائق المبنية على تصريحات السياسيين الإيرانيين والممارسات الإيرانية على أرض الواقع هي المستند الذي تبناه المجتمع الدولي في أعماله. فتبني ودعم وتمويل التنظيمات والمليشيات الطائفية والعنصرية والمذهبية سياسة قامت عليها الدولة الإيرانية منذ أن أتت الخُمينية الفوضوية للسلطة في ايران. كذلك التدخل في الشؤون الداخلية في الدول الأخرى ودعم الارهابين والمتطرفين وتبنيهم وزرع الخلايا التجسسيية سياسة إيرانية ثابتة. ايضاً حرق السفارات والقنصليات والتعدي على الممتلكات للدول الأخرى انتهاك صريح لمبادئ القانون الدولي والأعراف الدولية. ويمكن القول إن النظام السياسي الإيراني الذي لم يحترم مبادئ حسن الجوار لن يحترم بعد ذلك أي مبدأ آخر. فهل هذه الممارسات الإرهابية التي يقوم بها النظام السياسي الإيراني ليست واضحة للأشقاء في دولة قطر؟ وهل لا يعلم الأشقاء في دولة قطر بتاريخ النظام السياسي الإيراني القريب منذ 1979م؟ وهل لا يعلم الأشقاء في دولة قطر بالمبادرات الإيجابية الكبيرة والمتعددة التي قدمتها دول مجلس التعاون للتقارب مع الدولة الإيرانية، نقول ذلك نحن نعلم بأن دولة قطر الشقيقة عضواً مؤسسا في مجلس التعاون؟ وإذا كان الأشقاء في دولة قطر يعلمون بأن إيران دولة رئيسية في المنطقة وثقلاً إسلامياً، فمن الأولى أن يعلموا بأن مفاهيم السياسة الدولية مختلفة تماماً في تقييمها لأهمية الدول عن المشاعر العاطفية. فإذا كانت إيران دولة رئيسية، فهي دولة رئيسية في الهدم والتخريب وتصدير الفوضى وتبني الإرهاب ودعم وتمويل الإرهابين. وإذا كانت ثقلاً إسلامياً، فهي فعلاً ثقيلة جداً وعبئاً كبيراً على الأمة الإسلامية لأنها الدولة الأولى في تشويه سمعة الإسلام والمسلمين. فهل نحن بحاجة إلى أن نذكر اشقائنا بدولة قطر بما فعله نظام الخُميني في بيت الله الحرام عامي 1987م و1989م عندما استخدم تأشيرات الحج والعمرة ليُرسل بدلاً من الحجاج مليشيات القتل والعنصرية لتقتل حجاج بيت الله وتدنس الأراضي المقدسة بأفعالها وتشوه سمعة المسلمين أمام الرأي العام العالمي. وهل نحن بحاجة لأن نذكر أشقائنا في دولة قطر بالتهديدات التي يطلقها النظام السياسي الإيراني بإغلاق مضيق هرمز لتعطيل الملاحة البحرية ومنع ناقلات النفط من تصدير مصادر الطاقة للاقتصاديات الدولية؟ وهل نحن بحاجة لنذكر اشقائنا بدولة قطر باحتلال إيران للجزر الإماراتية واعتبارها أراضي إيرانية بفرض الأمر الواقع؟ وهل نحن بحاجة لتذكير اشقائنا بدولة قطر بالأطماع الإيرانية في الدول العربية والتي اتضحت بشكل مباشر وصريح بعد العمل الانقلابي الذي حدث في دولة اليمن عندما صرحوا بأن صنعاء رابع عاصمة عربية تقع تحت النفوذ الإيراني؟ فهل هذه التصرفات والممارسات الإيرانية غير معلومة؟ وفي شأن بناء القدرات العسكرية وتطوير القوات المسلحة لدول مجلس التعاون، فكنا نتوقع أنها تسُر وتُفرح وتُسعد كل من ينتمي للعالمين العربي والإسلامي. فعندما تنهض عالياً وتقوى أي دولة منتمية لمجلس التعاون الخليجي فإنما هو قوة للجميع سواءً كانت هذه القوة لأغراض الدفاع خاصة في ظل التهديدات الإيرانية المتصاعدة ووجود كيان إسرائيلي ليس محل اعتراف بالنسبة لنا وليس لنا علاقات سياسة معه، أو سواءً كانت هذه القوة لأغراض الهجوم خاصة في ظل تصاعد التهديدات الإرهابية التي تطلقها التنظيمات والجماعات الإرهابية. وبغض النظر عن هذه المبررات، فإن لأي دولة الحق في أن تملك ما شاءت من قدرات بشرط أنها لا تهدد الأمن والسلم والاستقرار الدولي. وحقيقة القول أن الرأي العام العربي والاسلامي والعالمي كان يتوقع أن تقوم دولة قطر بإدانة ممارسات الدولة الإيرانية المتناقضة تماماً مع تعهداتها الدولية سواءً بتطوير برنامجها النووي بشكل سري أو بتطوير منظومتها من الصواريخ طويلة المدى على الرغم من أن الاتفاق النووي يلزمها بالتوقف تماماً. فهل يرى الأشقاء في دولة قطر أن ما تقوم به إيران أمر مشروع، وما تقوم به دول مجلس التعاون من تطوير لقدراتها المشروعة دولياً أمر غريب وغير مشروع؟ فإذا كان الاستسلام والرضوخ سياسة فعالة في نظر بعض الدول، فإن سياسة دول المجلس الأخرى وخاصة المملكة العربية السعودية هي سياسة العزم والعزة ولنا شواهد ماثلة كعاصفة الحزم. وإذا كانت بعض الدول مثل الشقيقة قطر ترى في قاعدة عسكرية حصانة وحماية، فإن المملكة العربية السعودية ترى أن حصانتها بتوكلها أولاً على الله عز وجل ثم على حكمة قادتها وبسالة رجالها الأشاوس وقوة جبهتها الداخلية والتلاحم الغير مستغرب والغير محدود بين القيادة والشعب. وليعلم العالم القريب والبعيد بأن هذا العمل الجبار الذي تقوم به السياسة السعودية في سبيل بناء وتطوير قواتها المسلحة لم يشغلها أبدا عن دعمها للتنمية سواءً في داخل وطنها أو في دعمها للدول العربية والإسلامية. وإذا كان الحزم والعزم سياستنا تجاه اعدائنا، فإن السلام هدف رئيسي دعمته المملكة العربية السعودية وأيدها في ذلك العرب في قمة بيروت 2002م. فالسلام له مبادئ وقيم وللفلسطينيين سلطة اعترف بها العالم ورئيس يحظى بالتقدير والاحترام ويستقبل بعواصم الدول الرئيسية قبل غيرها. فمن أراد رفع الظلم عن الفلسطينيين ومساندتهم في مواجهة عدوهم، فلن يكون إلا عن طريق العمل مع السلطة الفلسطينية وليس الجماعات والتنظيمات الأخرى مهما كانت مسمياتها. فالسياسة الدولية لها مبادئها ومفاهيمها، وليس الاجتهادات القائمة غير المنطقية. وإذا كانت التصريحات غير منطقية، فإن ما يدعوا لكثير من الاستغراب أن نجد أقوالاً ضمن التصريحات تؤدي إلى نتائج قد لا تكون محسوبة. ففي الوقت الذي يطالب المجتمع الدولي جميع الدول بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى التزاماً بمبادئ القانون الدولي، نجد أن التصريحات الصادرة من الشقيقة دولة قطر تؤشر لتدخل في الشؤون الداخلية للولايات المتحدةالأمريكية. وهذا أمر غاية في الخطورة. فالتعامل مع الدول العظمى يختلف تماماً عن التعامل مع الدول الصغرى. لذلك على أشقائنا في دولة قطر إدراك الفوارق بين الدول من جميع الجوانب وفي كل المجالات. فليس كل ما يصوره الخيال يصدقه الواقع. لذلك من الحكمة تفعيل العقل في التعامل مع الدول الرئيسية سواءً على المستوى الإقليمي أو على المستوى الدولي. وفي الختام من الأهمية القول إننا نجحنا في المملكة العربية السعودية في التعبير الحقيقي عن الدول العربية والأمة الإسلامية أمام العالم أجمع. فالمملكة التي استضافت ثلث قادة العالم على مدى يومين في شهر مايو 2017م استطاعت أن توصل الصوت العربي للمجتمع الدولي ونجحت في أن توضح للعالم أجمع الفرق بين الدين الإسلامي الذي يدعوا للسلام والتسامح وبين التطرف والإرهاب الذي يدعوا للقتل والهدم والخراب. هذا النجاح الكبير جعل الدول الإسلامية المعتدلة صفاً واحداً في مواجهة التطرف وساهم هذا النجاح الكبير في القمم الثلاث في رفع الظلم عن المسلمين حول العالم وجعلهم أكثر قوة في مواجهة التهم الباطلة التي يتعرضون لها من العنصريين في كل مكان. إننا في دول مجلس التعاون نتطلع لأن تكون دولنا قوية ومتمكنة في جميع المجالات وأيضا نتطلع لأن يكون مجلس التعاون لدول الخليج العربي أكثر تماسكاً وصلابة. فلن تثبطنا كلمات ولن يثنينا عزم خاصة وأن الحكمة وسداد الرأي إحدى المميزات التي تميز قادتنا.