تحمل زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، الى المملكة العربية السعودية، وفي هذا الوقت بالذات أكثر من رسالة ومعنى وهدف، فهي بالبداية تمثل امتداداً طبيعياً لعلاقات استراتيجية بين البلدين، اسس لها المغفور له الملك عبدالعزيز آل سعود-طيب الله ثراه- قبل اكثر من ثمانين عاماً، وشكلت على مدى هذه العقود نموذجاً للعلاقات الاستراتيجية المميزة، والتي شملت فوائدها البلدين الصديقين ،كما انها شكلت ضمانة قوية للامن في المنطقة، عبر الاستراتيجية طويلة الأمد التي اعتمدتها كل من الرياض وواشنطن،لاسيما في ظل الاوضاع والأحداث الدراماتيكية التي تشهدها منطقتنا منذ زمن بعيد، بسبب موقعها الاستراتيجي، ولهذا فلا غرابة أبدا أن يلقى الرئيس الأميركي هذه الحفاوة في زيارته الأولة للمملكة هذة الأيام، بل وزيارته الخارجية الأولى منذ تسلمه مقاليد الحكم في بلاده، ما يؤكد ذلك الثقل الكبير الذي تمثله المملكة ودورها الريادي والمحوري بالمنطقة والعالم، على الصعيدين العربي والاسلامي والعالمي أيضاً، ولعل ما حملته الزيارة من اتفاقيات تبين هذا المنحى الايجابي في علاقة البلدين، ففي اليوم الأول لزيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى المملكة تم توقيع العديد من الاتفاقيات الضخمة المشتركة المتنوعة، بلغت 34 عقدا بقيمة إجمالية تخطت 380 مليار دولار، وهو رقم فلكي مهول، كما لاقى ترمب استقبالا حافلا في الرياض تخلله طلقات مدفعية وطلعات جوية وإستعراضات، كما تسلم قلادة الملك عبدالعزيز وهو أرفع وسام سعودي، وعقدت قمة ثنائية بين الملك سلمان بن عبدالعزيز وترمب للتباحث بشأن قضايا الاهتمام المشترك. كما تم توقيع عقود تسلح بمليارات الدولارات والتي تهدف إلى مواجهة التهديدات الخارجية، تبرهن بما لا يقبل الجدل على تطابق وجهتي نظر البلدين حول القضايا الاساسية، ولا سيما تلك التهديدات التي لا تشكل خطراً على دول المنطقة وحسب وإنما تشكل خطرا على الامن والسلام العالمي أيضا. ولحجم الملفات المتشابكة التي اراد بحثها في الرياض عقد ترمب لقاء قمة مع خادم الحرمين الشريفين بحضور كبار مسؤولي البلدين، كما أجرى لقاءات ثنائية مع مسؤولين سعوديين، واصفا هذه اللقاءات بالايجابية، وان يومه الأول في المملكة كان يوماً رائعاً، مضيفا "مئات مليارات الدولارات من الاستثمارات في الولاياتالمتحدة ووظائف، في إشارة إلى مدى ارتياحه للاجواء التي تمت بها هذه الزيارة التاريخية. وفي مؤتمر صحفي عقده وزير الخارجية عادل الجبير مع نظيره الأميركي ريكس تيلرسون، توقع وزير الخارجية السعودي أن تؤدي هذه الاستثمارات على مدى السنوات العشر المقبلة الى خلق مئات آلاف من الوظائف في الولاياتالمتحدة والمملكة السعودية"، واصفاً زيارة ترمب بالتاريخية. وكان مسؤول في البيت الأبيض أعلن أن الاتفاق تم على عقود تسلح للسعودية تشمل تجهيزات أمريكية وخدمات صيانة تبلغ قيمتها 110 مليارات دولار. وفي تعليقه على هذه الصفقة وصف المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر في تغريدة على حسابه على موقع "تويتر" صفقة الأسلحة بأنها "الأكبر في تاريخ الولاياتالمتحدة". فيما اعرب وزير الخارجية الأمريكي ريك تيلرسون أن الصفقة "تدعم أمن المملكة والخليج، في مواجهة التأثير الإيراني السيء والتهديدات الإيرانية". كما أعلن مسؤول في البيت الأبيض أن هدف عقود التسليح أيضا "تعزيز قدرات المملكة في المساهمة في عمليات مكافحة الإرهاب في المنطقة". والحقيقة التي لاحظها الجميع ان الحفاوة التي حظي بها ترمب في السعودية، من باب الطائرة إلى مقر إقامته ثم في قصر اليمامة، تتناقض مع الاستقبال البرتوكولي لسلفه الرئيس السابق باراك اوباما الذي زار السعودية في ابريل 2016 والذي شابت العلاقات بين إدارته والمملكة برود وتوترات على خلفية الاتفاق النووي الموقع مع إيران. كما ان زيارة ترمب تحمل ابعاداً اخرى تتعدى المنطقة لمشاركته في قمة مع قادة دول الخليج، وفي قمة اخرى دعا إليها الملك سلمان بن عبدالعزيز نحو خمسين من زعماء دول عربية وإسلامية، الأمر الذي يضفي على الزيارة اهمية اخرى باعتبارها تمثل منصة جديدة للدعوات التي تطلقها المملكة العربية السعودية دائما، للتسامح والحوار بين الأديان، الأمر الذي يثبت صوابية المواقف السعودية وصلابتها في الدفاع عن الإسلام، دين التسامح والسلام، ونبذ العنف والإرهاب. وازاء كل ما تقدم وهو نذر يسير من مدلولات الزيارة التاريخية للرئيس الأميركي لعاصمة القرار العربي، يمكن القول ان هذه الزيارة المهمة الناجحة بكل المقاييس من شأنها أن تؤسس لعلاقات قوية وجديدة ومتوازنة تمهد السبيل للعمل بقوة من اجل السلام والأمن من منطقتنا العربية والإسلامية والعالم.