يأمل القادة الخليجيون أن تسفر قمتهم مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، عن تحالفات اقتصادية عملاقة، تعزز من العلاقات التاريخية بين واشنطن ومنطقة الخليج العربية، والتي تتجاوز نصف قرن، موقنين أن "أميركا ترمب" حريصة اليوم أكثر من أي وقت مضى، على تقوية العلاقات مع الخليج، وإصلاح ما أفسده الرئيس الأميركي السابق أوباما. وتعد المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في الخليج العربي اقتصادية بالأساس، إذ يقع 54 في المئة من احتياطي النفط في العالم، و40 في المئة من احتياطي الغاز الطبيعي في منطقة الخليج وبسبب التطورات السياسية الاقليمية، فثمة ارتباط بين استقرار السوق في الخليج وتعافي اقتصاد الشريك الأميركي، الأمر الذي طرح أهمية العمل بين الولاياتالمتحدة مع دول مجلس التعاون لتعزيز الإصلاح الاقتصادي والتنويع، فضلًا عن زيادة العلاقات التجارية لمساعدة دول الخليج في مواجهة التحديات الاقتصادية المتزايدة وضرورة زيادة حجم التبادل التجاري مع دول مجلس التعاون والذي تمت بلورته في الاجتماع الأول لمنتدى التعاون الاستراتيجي بين الولاياتالمتحدة ومجلس التعاون في الرياض في 31 مارس 2012، تحت عنوان "اتفاق الإطار الأميركي الخليجي للتعاون التجاري، والاقتصادي، والاستثماري، والتقني". ويعد تاريخ العلاقات الخليجية - الأميركية كبيراً وممتداً حتى قبل إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية في مايو 1981، ويمكن القول إن فترة الحرب العالمية الثانية وما بعدها قد تكون منطلقاً تاريخياً لتلك العلاقة الاستراتيجية. ويعود وجود الولاياتالمتحدة في الخليج إلى اكتشاف كميات كبيرة من النفط في البحرين عام 1932، وتبع ذلك وصول شركة "ستاندرد أويل" للنفط للخليج عام 1933، لتبدأ المنطقة بذلك تحولاً على الصعيد الإقليمي، حيث أصبحت مزوداً عالمياً للطاقة. وكان لقاء القمة الأميركية - السعودية بين الرئيس فرانلكين روزفلت والملك عبدالعزيز آل سعود في فبراير عام 1945 على ظهر الطراد الامريكية "كوينسي" هو بداية تأريخ تلك العلاقة ليس فقط بين المملكة والولاياتالمتحدة، بل مع دول الخليج كافة، حيث يمكن القول إن هذا الاجتماع ساعد على تشكيل إحدى أهم العلاقات الاستراتيجية في القرن العشرين. ويعد تأسيس منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" في بغداد عام 1960 تحولاً تاريخياً في علاقات دول الخليج العربية تجاه الولاياتالمتحدة الأميركية والغرب بصفة عامة، وإذا كان البيان التأسيسي للمنظمة يضم اثنتين من دول الخليج (المملكة العربية السعودية والكويت)، لكن سرعان ما انضمت إليهما قطر عام 1961، ثم الإمارات العربية المتحدة عام 1967، وذلك كنتيجة مباشرة للهيمنة التي كانت تمارسها شركات النفط العالمية في ذلك الوقت، مما دفع الدول المنتجة، ومن بينها دول الخليج العربية للتخلص من هذا الاحتكار. وسطرت حرب اكتوبر 1973 فصلاً جديداً من العلاقات الخليجية - الأميركية إذ تنبهت دول الخليج لسلاح النفط كوسيلة فعالة للضغط على صانع القرار في الولاياتالمتحدة من خلال حظر تصدير النفط مقابل وقف تزويد اسرائيل بالسلاح لترجيح كفتها على حساب القوات المصرية، ونجح السلاح الخليجي في تحقيق اهدافه وتحولت دفة تحديد الأسعار والتحكم في السوق النفطي العالمي إلى يد المنتجين وعلى رأسهم دول الخليج العربية. وانعكست واردات النفط الهائلة في منتصف السبعينات في شكل نوع جديد من الشراكة الخليجية - الأميركية والقائم على تطوير القدرات الأمنية والعسكرية لدول المنطقة، ثم التعاون في مجالات الحفر والتنقيب وتكنولوجيا النفط والغاز مع كبريات الشركات الامريكية للعمل بالخليج العربي. ويتفق الطرفان على أن قضية الأمن الخليجي لا تختلف إطلاقاً عن الاقتصاد الخليجي، فلهما أولوية مشتركة في أجندة العمل المشترك، فباستقرار الأمن ينمو الاقتصاد، وبنماء الاقتصاد يتعزز الأمن. وقد أصبحت أهمية الأمن في منطقة الخليج للمصالح الاستراتيجية الأميركية واضحة مع إعلان "مبدأ نيكسون" عام 1969 و"مبدأ كارتر" عام 1980، فقد دعا نيكسون حلفاء الولاياتالمتحدة للمساهمة في أمنهم بأنفسهم بمساعدات أمنية أميركية. وعليه، كانت سياسة "حجري الأساس" نتيجة طبيعية لجهود إدارة نيكسون لحماية القوة الأميركية، وفي إطار هذه السياسة، اعتمدت الولاياتالمتحدة على دول الخليج لتوفير جزء كبير من الأمن في المنطقة. وفي أثناء الحرب العراقية الإيرانية 1980-1989، اتخذت الشراكة الاستراتيجية بين دول الخليج العربية والولاياتالمتحدة الأميركية بعداً آخر قائماً على ضرورة التعاون الجاد لحفظ الأمن بمنطقة الخليج في وجه التحديات الأمنية التي تؤثر على استقرارها. وشهدت تلك الفترة توقيع اتفاقيات الدفاع المشترك بين الدول الخليجية، كل على حدة، مع الولاياتالمتحدة، منها على سبيل المثال الاتفاقية الأمنية العمانية - الأميركية عام 1981 والتي تم تجديدها حتى نهاية عام 2010 وتسمح بتعاون شامل بين الدولتين لحفظ الأمن والملاحة في منطقة الخليج. وينتظر أن تسفر القمة الخليجية الأميركية غداً عن عقد شراكات اقتصادية مهمة، تتناول الطاقة والصناعة والاستثمارات، وهو ما يسعى إليه في المرحلة المقبلة، وترحب به دول الخليج العربي.