عندما يأتي إليك نعي شخص تحبه وتقدره فإنك على الفور تسترجع ما قدمه قبل رحيله من خدمات جليلة للجميع من أهل وأحبة وأصدقاء وزملاء عمل، وعندما تستخلص العديد من المزايا التي منحها غيره من تضحيات ووقفات ودعم لا محدود بإنسانية وخلق رفيع فإن المصيبة عليك تهون، بل تصغر وتكاد أن تتلاشى، وبرحيل قامة كبيرة كالأستاذ تركي السديري فإنه يصعب على أي شخص ولو كان أقرب قريب أن يحصي أو يعد ما قدمت يداه من أعمال كبيرة وجليلة سواءً في مجال العمل أو في المجال الإنساني الذي تفوق فيه وبرع على كثير ممن أوتوا أضعاف ما لدية من قوة ونفوذ وجاه، ولكن رحيل الكبار لا بد أن يحدث جرحاً لا يندمل، مما يجعل الدمعة تترقرق وتنساب بعفوية متذكرة الوفاء والحب الكبير الذي شمل كل من تعامل معه، وأنا أكتب هذه السطور أشعر بالفخر والاعتزاز بما تربطني بفقيد الصحافة العربية وملك الصحافة من مواقف عمل كانت ولا تزال خير دافع لبذل المزيد من العطاء، ومهما مضت الأيام وتقادم الزمن فلن أنسى موقف لقائي الأول الذي كان مشوباً بالفخر، حيث يسطر مع مئات المواقف الأخرى مع زملاء العمل ومن المحيطين حوله، فقد فاجأني اتصال مدير التحقيقات في ذلك الوقت الدكتور أحمد الجميعة نائب رئيس التحرير سابقاً فيما بعد مفيداً فيه بثناء رئيس التحرير الأستاذ تركي السديري على ما أقوم بطرحه من تحقيقات صحفية، وطلبه رقم هاتفي شخصياً ليقوم بمهاتفتي لتشجيعي على ذلك، وقد طلب مني الدكتور أحمد الجميعة أن أبادر بمهاتفته أنا تقديراً لشخصه الكريم ولمكانته الصحفية البارزة، فتم ذلك حيث قمت بمهاتفته وشكره مقدماً على ثنائه العطر فما كان منه إلا أن أغدق علي بكرم أخلاقه بالثناء، وطلب مني الحضور شخصياً إلى مكتبه، وبالفعل قمت بالتشرف بزيارته في مكتبه، وكانت مقابلة فخر مشوبة بالخوف والرهبة من لقاء ملك الصحافة ونبراس "الرياض" المنير المتوهج ولكن سرعان ما تبدد هذا الخوف مع عذوبة حديثه وجميل ثنائه، فقضيت هذا اللقاء أنهل من معين خبرته في مجال الصحافة، واستمعت إلى توجيهاته الكريمة التي زادتني إصراراً على العمل والتفاني فيه، حقاً لقد لمست من هذا اللقاء كيف كان تركي السديري صانع الرجال، الذي رحل وقد ملأ سماء الصحافة بهم سواء في صحيفته المحبوبة لديه "الرياض" أو خارجها، فهنيئاً لفقيدنا الغالي جميعاً ما قدمه للوطن ولكل من تعامل معه من مواقف خيرة وأياد بيضاء وسيرة عطرة ستبقى لامعة وباقية بعد الرحيل، رحم الله الفقيد تركي السديري رحمة واسعة، وجزاه على ما قدم خير الجزاء، وجعل جنات الخلد مأواه، وألهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان "إنّا لله وإنّا اليه راجعون". * قسم التحقيقات الصحفية