لقد كنت قريباً من فقيدنا الراحل الكبير، صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن عبدالعزيز آل سعود، طيب الله ثراه. وتشرفت بلقائه كثيرا وحضور مجالسه العامرة. وكتبت عنه أكثر، دون أن أوفيه ولو نزراً يسيراً من كثير خيره علينا جميعاً وحقه. فكلما جلست مع نفسي لأكتب عن سموه الكريم، تتسابق العبارات إلى ذهني، كل واحدة منها تود التشرف في المثول بين يديه الكريمتين، ويتهلل وجهي، وتنشرح نفسي، وتملأ الفرحة كل جوانحي. أما اليوم وقد ترجل كف الخير السخي عن دنيانا الفانية إلى دار الخلود الباقية، وهز خبر رحيله كيان الأمة وفجع قلوباً كثيرة طالما حظيت بعطفه وحنانه، وغابت ابتسامته التي كانت بلسماً شافياً لجراحات كثيرين وآلامهم وأحزانهم وآهاتهم، وغاب نجم كان سامقاً بيننا، احتل في نفسنا أعلى مكانه. واليوم وقد ودعنا الرمز الكبير، الرجل الشهم النبيل تركي بن عبدالعزيز آل سعود، فاطمأنت نفسه الكريمة، وهدأت جوارحه، وفجع الوطن، وانتحب الشعب لفقده؛ وانحبست الأنفاس في الحلوق، وشرد الفكر بعيداً يستحضر مآثر رجل عظيم، فاحتار ماذا يختار من خصاله الحميدة وأفعاله الجليلة، إذ كانت أعماله عظيمة، بل كل عمل منها أعظم من الآخر، ولهذا تاه التفكير واحتارت العقول وسابق الدمع الكلمات إلى الصفحات. فالحدث جلل والمصاب عظيم ووقعه على النفوس أليم، والحزن عميق والنفس واجمة والعيون شاخصة، والمفقود نبع خير ودوحة ظليلة تفيأ ظلالها كثيرون فوجدوا لديها كل ما يريدون. أما اليوم وقد ودعنا النجم السامق أبا خالد الذي ملك حبه قلوبنا وسكن وجداننا بما كان يغدقه علينا من عطف صادق ورأفة منقطعة النظير، وفخر بالأمة وحرص على كرامتها وعزها وتقدمها وريادتها بين الأمم، وقد فجع الوطن لرحيل كف الخير السخي الندي، فأغرق رحيله العيون بالدموع وحبس الأنفاس بالعبرات وتحجرت الكلمات في العقول، فلم نجد مانقول. لهذا نترك المجال للتاريخ ليسطر لنا حياة رجل عظيم ترك بصمته على كل مظاهر حياتنا، فالتاريخ خير حافظ أمين، لا ينسى من سطروه ودبجوا صفحاته بالمجد والسؤدد وعطروها بأعمال عظيمة نعجز عن الوصف والحصر، ويحفظ سيرتهم المشرفة في سجل الخالدين، ولن يقوى شيء على تغييبها مهما تعاقب الحدثان. لقد كنا طيلة أيام مرضه نبتهل لله الواحد المتعال بالشفاء له. وتشرئب نفسنا المتعطشة دوماً لرؤيته، لابتسامته المعهودة وإطلالته البهية. ونمني النفس بالتشرف بحضور مجلسه العامر وحديثه الشيق وأحلامه الطموحة وآماله العريضة لأبناء وطنه. لكنها على كل حال إرادة الله، فسبحانه وتعالى الذي كتب الخلود لنفسه والفناء على كافة خلقه. وإن غاب أبا خالد عنا اليوم بجسده، فسيظل خالداً فينا إلى الأبد بما سطره من سيرة عطرة وتركه من إرث عظيم في ميادين الخير والبر والإحسان والعطف والعلم. فاسأل الله الرحمن الرحيم ان بجعل فقيد الوطن الكبير أبا خالد من أصحاب اليمين خالداً في جنات النعيم أبد الآبدين. (إنا لله وإنا إليه راجعون).