تشهد العلاقات التركية - الأوروبية نقاشات حول مستقبلها والاطار الذي سيحكمها في الفترة المقبلة بعد اعلان نتائج الاستفتاء التركي الذي أعقبه تصريحات بلغة تصعيدية من الجانبين. وإذا يكاد يوجد اجماع على استمرار التوتر بين بروكسل (عاصمة الاتحاد الاوروبي) وأنقرة في المرحلة المقبلة، إلا أن هناك انقساما بين من يرى ان المصالح الاقتصادية والتجارية بين الطرفين وأزمة هجرة اللاجئين تحول دون خروج التوتر عن إطار السيطرة وبين من يرى أن التصعيد الحالي - المرتبط بموجات قومية على الأرض في تركيا وبلدان الاتحاد الاوروبي - قد يؤدي إلى انهيار التفاوض حول قبول تركيا في الاتحاد سواء من قبل الرئيس أردوغان اذا أجرى استفتاء شعبي حول اعادة (عقوبة الاعدام) و(تجميد التفاوض) أو من قبل الاتحاد الأوروبي نفسه اذا أعلن تجميد المفاوضات بسبب الأوضاع السياسية في تركيا. وبالنظر إلى وضع الجانب التركي الحالي، فقد أعلن وزير الاتحاد الاوروبي عمر تشاليك أن الحكومة التركية ستتقدم بوثيقة جديدة حول اتفاق اللائجين في شهر مايو لفتح باب النقاش من جديد حول رفع التأشيرات على المواطنين الاتراك لدخولهم بلدان الاتحاد الاوروبي، وقد صرح أيضاً بأن عدم قبول بروكسل بالوثيقة الجديدة قد يعني انهيار اتفاق اللاجئين وتعليق تركيا للعمل به. في المقابل مازالت تنتظر مؤسسات الاتحاد الاوروبي تقرير منظمة الأمن والتعاون الاقتصادي حول عملية الاستفتاء التي أشرفت عليها لمناقشة الموقف الذي ستتخذه من مستجدات الوضع الجديد بعد تمرير الاستفتاء وأوضاع الحريات في تركيا. على الجانب التركي يوجد من له مصلحة في التصعيد لتحقيق أهداف سياسية داخلية وخارجية ويوجد أيضا من له مصلحة في التهدئة خاصة الدوائر الاقتصادية والتجارية البارزة والتي ستتأثر خططها الاستثمارية في المستقبل بمآلات العلاقات بين أنقرة والاتحاد الأوروبي في ظل استقبال السوق الأوروبي ل44% من اجمالي البضائع التي تنتجها تركيا. وإذ تتمسك مؤسسات الاتحاد الأوروبي المختلفة -أبرزها البرلمان الأوروبي- بضرورة اتخاذ موقف كي يبدو الاتحاد محافظاً على مبادئه الليبرالية الغربية ومدافعاً عن الهوية الأوروبية أمام موجات الصعود اليميني القومي داخل وخارج اوروبا، تحاول الدول الكبرى في الاتحاد (خاصة ألمانيا وفرنسا) أن تتحكم في هذا التصعيد حتى لا تتحمل تكلفته وحدها مثلما تحملته في بداية أزمة اللاجئين بالربع الأخير من عام 2015 حينما سارعت برلين وباريس لدعم اليونان واحتواء موجة اللجوء عبر البحر. وفي ظل تناقضات وتعقيدات موقف كل طرف داخليا، ليس من المستبعد أن تظهر تصريحات ومواقف متعارضة لكل طرف من حين لآخر تتراوح بين التصعيد والتهدئة. وقد تشهد المناقشات عملية شد وجذب وضغط كبيرة عبر الأدوات التي يملكها كل جانب، ففي حين تمتلك أنقرة أوراق مثل ايقاف العمل باتفاق اللاجئين لتهديد الدول الكبرى في الاتحاد وأوراق التلويح باجراء استفتاء على وقف المفاوضات على غرار الاستفتاء البريطاني لضرب موقف مؤسسات الاتحاد الأوروبي وأنصاره، تمتلك الدول الكبرى في الاتحاد الاوروبي أوراق أخرى مثل تعطيل العمل ببعض الاتفاقيات الاقتصادية مع تركيا أو تسليط ضوء أكبر على نتائج تقرير منظمة الأمن والتعاون الاقتصادي المنتظر اصداره أو أدوات سياسية جديدة أخرى ضد أنقرة قد تظهر في المستقبل القريب بعد انتهاء الانتخابات الفرنسية والألمانية هذا الصيف.