لا يمكن أن تمر التظاهرات الفنية التي تعيشها البلاد هذه الأيام دون توقف؛ من عودة الحفلات الغنائية مع فنان العرب، إلى تكريم رواد الأغنية الشعبية وظهور المطرب الشعبي مزعل فرحان لأول مرة على مسرح مركز الملك فهد الثقافي بالرياض. وبين هذه الحفلة وتلك، جاء الحدث الاستثنائي الأكبر، بإقامة أمسية الأوركسترا السيمفونية اليابانية لأول مرة في بلد عربي هو المملكة. ما يعني أننا أمام وعي عال بأهمية بث الفنون بأشكالها المنتمية للفضاء الوطني والعالمي. إنها إذن ليس صدفة، بل إرادة ثقافية تقدم في دفقاتها الأولى مختلف الألوان الموسيقية، في تصحيح لبوصلة ذائقة الفن الجماعية وتركيزٍ على القيمة والكيف وليس الكم. فمن حضر وشاهد حفلة الأوركسترا اليابانية وهي تعزف لعباقرة الموسيقى الكلاسيكية، ثم أمسية الموسيقي المجري جيرجيلي بوغاني على البيانو؛ سيتأكد من أننا أمام مشروع وطني حقيقي لضخ الفنون الراقية والأصيلة في المجتمع المتعطش لحضور مثل هذه الأعمال الإبداعية هنا وليس في أي مكان آخر. وما الحضور الكثيف الذي تشهده الحفلات والأمسيات الموسيقية إلا مؤشر اجتماعي باهر لصواب ونجاح المسار الذي يمضي فيه منظمو هذه الليالي الساحرة والتي بلا شك سيتحقق مردودها في المستقبل القريب، من تصحيح ذائقة شعبية لطالما تعرضت للعطب والتشويه، إلى تطوير الموسيقى الوطنية بعد أن فتحت المسارح من جديد في وجه شيوخ وشباب الفن السعودي. في الضفة المقابلة، ستتكبد الظواهر التي برزت في سنوات غياب الحفلات الغنائية الطربية أو فن الغناء الشعبي الخسائر الجسام، ومن هذه الظواهر "الشيلات" التي لم يسجل لها أي حضور خلال كل هذه المهرجانات والحفلات والأيام الفنية التي تشهدها البلاد. وهو أمر متوقع، فالشيلة نبتت كحالة طحلبية تكاثرت بعد تجفيف فن الغناء الشعبي السعودي، فما إن غاب الأخير عن الساحة، لأسباب لا تخفى على أحد، حتى تمكنت الشيلة من أن تقفز للعلن تحت مباركة اجتماعية. ظاهرة الشيلات إذن، ستكون أول المتضررين، وفي أحسن الأحوال ستنحسر بعد عودة الفن الشعبي إلى الواجهة بحفلة مزعل فرحان، وبعد الاعتراف المؤسسي المتمثل في تكريم رواد الفن الشعبي من بشير إلى سلامة العبدالله، وفهد بن سعيد، وعيسى الأحسائي. أما نجوم الشيلات، فهم المتفرج الأخير على قطار الفن العابر بقوة وسرعة، فهل يصعد نجوم الشيلات في المحطة القادمة وينتقلون للغناء بالموسيقى، والانخراط في تأسيس الفرق الشعبية ودخول حياة الحفلات الغنائية أم إنهم سيبقون حتى تنتهي ظاهرة "الشيلات" إلى لا شيء، كما بدأت؟!. الموسيقار بوغاني قدم الموسيقى الراقية للجمهور السعودي