كان حديث العالم الأسبوع الماضي الفيديو الصادم الذي يصور الطريقة الهمجية التي تعامل بها الأمن الأميركي مع الدكتور ديفيد داو، والذي تعرض للإجلاء القسري من الطائرة بعد أن رفض التنازل عن مقعده لركاب آخرين. تناقلت القنوات الإعلامية، ووسائل التواصل الاجتماعي الفيديوات، والصور المؤسفة لداو وهو ينزف، ويُسحب بطريقة مهينة لإخراجه من الطائرة. ما جعل شركة يونايتد تعيش كابوساً لا تحسد عليه، ولازالت حتى هذه اللحظة تعاني من تداعياته، إذ إن الانتشار الهائل للفيديو الذي شاهده أكثر من 100 مليون شخص، أحدث موجة غضب عارمة بين من شاهدوه، وهو ما انعكس بشكل كارثي على سمعة الشركة، ما أدى إلى خسارتها أكثر من مليار دولار في يوم واحد. الأمر لم يتوقف هنا، بل مازالت خطوط يونايتد تواجه قضية رد اعتبار رفعها عليهم الراكب عن طريق "ستيفن غولن" وهو أحد أفضل بيوت المحاماة المتخصصة في قضايا التعويضات، ومن المنتظر أن يحصل داو على تسوية بالملايين وهو ما سيقلب حياته رأسا على عقب، ويحول المأساة التي تعرض لها إلى حظ سعيد يحسده عليه الكثيرون. كل هذه التداعيات ماكانت لتحدث لو لم يتم تصوير الواقعة بالفيديو من قبل إحدى الراكبات، ومن ثم نشره في وسائل التواصل الاجتماعي. لو لم توثق الحادثة لانتهت بإنزال داو وتعويضه ب800 دولار على الأكثر لتنتهي القضية دون أي ضجيج. هذه الحادثة هي مثال رائع لتحول جميع الناس تقريباً إلى صحفيين، كل شخص يحمل في جيبه كاميرا توثق الحدث لحظة وقوعه، وأهمية الحدث ومستوى غرابته هي مايلعب دوراً كبيراً في انتشاره. ومن هنا تبدأ قطع الدومينو في التحرك لينتهي الأمر بكارثة كما في حالة شركة يونايتد، أو بخبطة حظ كما هو وضع داو الآن. قصة ديفيد هي مجرد مثال للقوة الهائلة التي من الممكن أن تلعبها الصور ومقاطع الفيديو، إذ إن ما يُحدث التغيير هو التوثيق ومن ثم الانتشار ومن هنا يبدأ "تأثير الفراشة". حادثة هذا الراكب ليست الأولى، وإن كانت الأحدث، في سلسلة الوقائع التي لعبت فيها عدسة الكاميرا دور البطولة، إذ تغيرت الكثير من الأحداث وأقيل وحوكم عدد من المسؤولين الكبار بسبب عدم استيعابهم لأهمية كاميرا هاتف محمول تصورهم في حالة غير لائقة، أو لحظة تلفظهم بكلمات غير مناسبة. وأخيراً، لطالما لُقبت الصحافة ب"صاحبة الجلالة" لدورها العظيم في تغيير أوضاع سيئة، أو لفت الانتباه لمأساة إنسانية، مثلما حدث في مأساة سجناء تازمامارت الرهيب، والتي انتهت بفضل تسليط الإعلام الأضواء عليها. لقب "صاحبة الجلالة" تستحقه الآن كاميرات الهواة الذين نقلوا لنا أحداثاً لم نكن لنعلم عنها لولا توثيقهم لها. ولو كنت مكان ديفيد داو لقدمت جزءا من مبلغ التعويض للراكبة التي صورت الفيديو.