دأبت وزارة الصحة على تشجيع ودعم البرامج والمبادرات التي من شأنها خدمة ورعاية المواطن، ولعل من تلك البرامج الاجتماعية والإنسانية ما يعرف ب"الطبيب الزائر"، حيث يقوم بعض الأطباء الاستشاريين الذين يعملون في مستشفيات المدن الكبرى والمناطق عند زيارتهم في نهاية الأسبوع لأهاليهم في المحافظات والقرى باستقبال المرضى والمراجعين من كبار السن وممن تحول ظروفهم دون مراجعتهم للمستشفيات الكبيرة، ويقدم هؤلاء الأطباء خدماتهم مجاناً لهم، بل ويوصون بنقل أو تحويل الحالات التي تستدعي النقل والتحويل للمستشفيات الكبيرة، وهذه المبادرة بدأت تنتشر في كثير من القرى والمدن ولاقت استحسان الكثير، فيما يهدف برنامج أو مبادرة الطبيب الزائر إلى تقديم الخدمة للمريض في مكان إقامته، وكذلك تدريب الكوادر الطبية لتحقيق رؤية الوزارة بتقديم خدمة شاملة ومتكاملة، إضافةً إلى تطوير الأداء وتحسينه في المنشأة التي يعمل بها الأطباء الزائرون. نجاحات مستمرة وقال د. ناصر الدوسري - مدير عام الشؤون الصحية بمنطقة الرياض وأحد الداعمين والمهتمين بهذا البرنامج: بدأت منذ ثلاث سنوات فكرة التطوع في مركز الشويعر بجلاجل بمبادرة من الشيخ عبدالعزيز الشويعر الذي قام بالتبرع بقيمة إنشاء مركز صحي، ثم دعم وشجع أبناء المدينة على العمل التطوعي بالمركز، مضيفاً أن الشؤون الصحية شاركت منذ البداية وشجعت على تطبيق الفكرة والتي طبقت فعلياً عام 1437ه، وتم تذليل الصعوبات لإنجاحها، وساهم فيها أطباء من الأهالي يعملون بمستشفيات مرجعية بالرياض، ونجحت ولله الحمد ولازالت تحقق نجاحات مستمرة، كما سبق أن قام مجموعة من الزملاء الأطباء في التطوع في مستشفيات المجمعة والزلفي، ولكن للأسف لم تستمر طويلاً، ربما بسبب ظروف الأطباء، مبيناً أن الشؤون الصحية مهتمة جداً بتشجيع ودعم عمل الأطباء المتطوعين في جميع محافظات منطقة الرياض، وتسهل إجراءات الراغبين في ذلك، وتشكر كل من يساهم في نفع المرضى أياً كانوا، بل وتحرص على تنسيق العمل التطوعي واستمراره وتنميته لخدمة المرضى الذين يثقون في كفاءات أبناء الوطن، ونتيجة للدعم من قبل وزير الصحة فقد توسعت الخدمات التطوعية للزملاء الأطباء هذه الأيام وشملت مستشفى السليل والأفلاج والمزاحمية، حيث بادر عدد من الأطباء أبناء هذه المحافظات مشكورين برغبتهم في جدولة مواعيد لهم في مستشفيات هذه المحافظات ،وقريباً إن شاء الله تشمل محافظات شقراء والدوادمي والخرج وغيرها. وأكد د. الدوسري على أن الشؤون الصحية بمنطقة الرياض صاحبة السبق في هذه الأعمال التطوعية وتشجيعها واستثمارها لنفع المرضى، مضيفاً أنه عن الإجراءات المطلوبة لتسهيل التحاق الأطباء بهذا البرنامج فإنه يُطلب من الطبيب تعبئة نموذج طلب وتحديد الجهة التي يرغب العمل بها، وتقوم إدارات المستشفيات بالترتيب لذلك شاملاً الإعلان المسبق عن زيارة الطبيب المتخصص وحجز مواعيد للمرضى وإعطائهم رسائل بمواعيد العيادة للطبيب والتواصل، كذلك يتم تهيئة العيادة للطبيب بالتجهيزات الضرورية والسكن والنقل والإعاشة حسب رغبة الطبيب، وقد لاقت هذه الخطوة استحسان كثير من المرضى وذويهم والحمد لله، مبيناً أنه مما سهل عليهم خدمة المرضى أن جميع المستشفيات والمراكز مربوطة بنظام إلكتروني، وفي حال احتاج المريض تحويلاً من مركز أو مستشفى صغير إلى مستشفى مرجعي يتم ذلك بكل يسر وسهولة. ممارسة إنسانية وتحدث د. عبدالعزيز السويد - استشاري جراحة الأنسجة المحيطة بالأسنان- قائلاً: إن العمل التطوعي ظاهرة إنسانية اجتماعية صحية، وهي ممارسة إنسانية ارتبطت وثيقاً بكل معاني الخير والعمل الصالح، ولقد بدأنا نلمس نجاحات العمل التطوعي منذ فترة ليست بالقصيرة بزملاء بمناطق مختلفة، بالأخص منطقة سدير، هؤلاء بذلوا وقتهم وعلمهم لأبناء المنطقة والمناطق المجاورة بقدر استطاعتهم، وقد قرأت سيرة التجربة وحراكها من البداية لكن فرصة الالتقاء بزملائي بمركز العبداللطيف للكشف المبكر لسرطان الثدي كانت البداية، حيث تم في مدينة جلاجل ولمدة يومين متتالية استقبال أكثر من (160) فتاة للكشف المبكر لسرطان الثدي، وتم عمل محاضرات مصاحبة وندوات، وباختصار شديد كانت تجربة رائعة وفريدة منقطعة النظير تفاعلت معها الأسر بشكل إيجابي مفاجئ، وهذه التجربة البسيطة أعطت انطباعاً أن إمكانات نجاح العمل التطوعي متاحة. عوامل النجاح وعن مركز الشويعر التطوعي أوضح د. السويد أن مركز الشيخ عبدالعزيز هو مركز حديث توجد فيه تخصصات عديدة يديره رجال أكفاء من أبناء الوطن، وألحق بالمركز سكن خاص للمتطوعين، مضيفاً أن تأسيس المركز للعمل التطوعي كان مناسباً وجاهزاً ثم إن الاتصال بالزملاء أعطى انطباعاً إيجابياً بالنجاح، فالكل توجد لديه الرغبة في عمل الخير، وقد بدأت تجربة مبسطة أثبتت نجاحاً لافتاً، فدعوة الشيخ عبدالعزيز لأكثر من ثلاثين طبيباً ومسؤولاً ومشرفاًفي منزله، ومناقشة خطوات العمل ودراسة التفاصيل كانت اللبنة الأولى، تبعها تشكيل لجنة مصغرة ثم أثمرت الجهود لعمل برنامج عمل تطوعي محدد المعالم، وصاحب ذلك جهود رائعة من وزارة الصحة، ومازال العمل مستمراً بترسيخ ما تم البدء به، لتحقيق الاستمرارية وتجاوز المعوقات المحتملة، مشيراً إلى أن عوامل النجاح حاضرة بقوة أساسها وضع برامج ورزنامة مرنة نصف سنوية مجدول فيها تاريخ زيارات الأطباء، ودراسة الاحتمالات الناتجة من الزيارة، كما في حالات المتابعة والتحويل، وكذلك تسهيل مهمة زيارة الأطباء من قبل وزارة الصحة بشكل رسمي وتوثيقه في الهيئة السعودية للتخصصات الطبية بالشكل المناسب. المسؤولية الاجتماعية وعبّر د. بدر الجدعان عن مشاعره وهو يشارك في علاج ورعاية أبناء منطقته ومسقط رأسه بقوله: لك أن تتخيل حجم السعادة التي شعرت بها وأنا أزور مدينتي، كانت زيارة تختلف عن سابقاتها من الزيارات ذات الطابع الاجتماعي، فقد كانت هذه الزيارة بدعوة من القائمين على مركز الشيخ عبدالعزيز الشويعر الصحي، وقد كان لي الشرف في أن تكون زيارتي الأولى برفقة د. عبدالعزيز الأحيدب، وكانت هذه التجربة بالنسبة لي أول تجربة أخوضها ضمن المسؤولية الاجتماعية الملقاة على عاتقي في مجال مهنتي وتخصصي، ولا أخفيك أن هذه أول مرة أشعر فيها بأن جميع المراجعين للعيادة في ذلك اليوم دون استثناء أقرباء لي وللأسرة، مضيفاً أنه قد تكون هذه الزيارة من المسؤولية الاجتماعية عليهم تجاه أهلهم وأبناء مدينتهم، لكن يراها في المقام الأول من "صدقة العلم" التي لابد أن تؤصل عند كل طبيب تجاه أقربائه خاصةً والمسلمين عامةً، وأن يؤصل هذا المبدأ كلاً على حسب تخصصه سواءً في المجال الطبي أو غيره، فالأطباء ما هم إلاّ أداة يسخرها رب العالمين ليكتب على أيديهم العلاج والشفاء بإذنه تعالى دون منة منهم أو حول أو قوة. إحساس بالمسؤولية من جهته ذكر خالد العمران - مدير مركز عبدالعزيز الشويعر للرعاية الصحية بجلاجل - أن العمل التطوعي هو ميدان تتعدَّدُ أشكالُه، لِيدخلَ ضمن الحياة الصحية، وفي هذا العمل ينطلقُ الإنسانُ المُتَطوِّعُ من إحساس بالمسؤولية تجاه من حوله، وتجاه محيطِه الإنساني، وتجاه محيطه المكاني، تتَّسعُ شيئاً فشيئاً لتشملَ كل ميادين الحياة وتظهر أرقى أشكال التَّكامل البشريّ وتخصيص بعضٍ من وقتِ الإنسان الخاص لأجل عملٍ عام، عبرَ التزامٍ ليس بالوظيفي إنما هو التزامٌ وطني، وهو أيضاً تنافس شريف من أجل خدمة أهدافٍ إنسانيةٍ ومجتمعيَّة، مضيفاً أن العمل التطوعي متَّسِع باتِّساعِ الآفاق، لِيَسعَنا بكلِّ قدراتِنا مهما اختلفت أو تعدَّدت، ومن دوافعُ العمل التطوعيّ الدَّافع الدّيني والوطني والإنساني الذي ينبعُ من إحساس الإنسان بالواجبِ تِّجاه مجْتمعه،ٍ لتأمينٍ الرِّعاية الصحِّية لمتلقي الخدمة العلاجية، مبيناً أنه لهذا العمل تطوع الأطبَّاءِ الاستشاريين من أبناء جلاجل للعمل ببرنامج الطبيب الزائر بمركز الشويعر للرعاية الصحية، حيث في هذا الميدان يبرزُ الدور الكبير لوزارة الصحة في هذا البرنامج من خلال متابعة شخصية ومستمرة من قبل المدير العام للشؤون الصحية بمنطقة الرياض ليكون برنامج الطبيب الزائر من أعظم البرامج التي يقدمها المركز للمرضى. تعميم المبادرة وأيّد سلامة العطوي مثل هذه المبادرة التطوعية بقوله: شيء جميل أن يقوم من يعمل بالمهنة الإنسانية ليقدم خدمة جليلة تجاه المرضى بالقرى والهجر، والذين تبعد المسافة بينهم وبين المستشفيات الكبيرة، فالبعض يعاني من عدم توفر المواصلات التي تنقله لتلك المستشفيات، متمنياً أن تعمم وتنتشر مثل هذه المبادرات لتسهم في الرعاية الصحية للمواطن بطريقة اجتماعية تطوعية تتناسب مع إمكانات أطباء هذا الوطن. وأكد ناصر الذيابي - رجل أعمال - على أن هذه المبادرات جديرة بالدعم من الجميع سواء الشؤون الصحية أو رجال الأعمال، فالكل يجب أن يعي أهميتها وكيف تسهم في التخفيف من أعباء الزحام بالمستشفيات الكبيرة، وكذلك عبء الطريق والمسافات على المرضى خاصةً كبار السن، مناشداً رجال الأعمال في المناطق بضرورة دعم هذه المبادرة سواء للمرضى أو الأطباء الزائرين تشجيعاً لهم ودعماً لخدمة المجتمع بشيء يسير قد يساهم في إنقاذ مريض. مبادرة الطبيب الزائر فكرة رائدة تنتظر التوسع د. عبدالعزيز السويد خالد العمران د. بدر الجدعان د. ناصر الدوسري