محمد عبد الواحد، محمد الفايدي، ثامر الميمان.. في أقل من عامين، فقدنا ثالوثاً من عناقيد الركض الإبداعي المشاكس، افتتحهم محمد عبد الواحد عام 2015، وتبعه منذ أيام، الفايدي والميمان في أقل من أسبوع.. لنكتشف حجم الفقدان الهائل في كتابتنا الساخرة. رحلوا على التوالي وغادروا دنيانا بعد أن تركوا بصمة مؤثرة من أعوام طويلة كانوا في مجملها صوتاً منحازاً لهموم البسطاء، ومتعالياً على المصلحة الشخصية، ومتجاوزاً لكمٍّ كبير من التناقضات بين ما يؤمن به الإنسان وبين ما يعبر عنه بوضوح وجلاء. عرفتهم طيلة سنوات من مسيرتي الصحفية والإعلامية عبر كل مراحلها ومسؤولياتها، جمعنا الحرف وعشق الكلمة، وكأنها قَسَمٌ نبيل لا يراهن إلا على هذا الوطن، واقتربت من حروفهم الدافئة بلهيبها الحارق أحياناً، والصادم أحياناً أخرى، وتفاعلت مع ما يريقه حبر كتابتهم، ورغم اختلافي النادر مع بعض الأفكار، إلا أنني أسجل لهم إخلاصهم غير المحدود في حب هذا الوطن، وفي تقدير واحترام أبسط مواطن في أقصى قرية أو هجرة بربوع بلادنا الواسعة.. لذا أحبهم الجميع دون استثناء. في ثلاث من أشهر الزوايا الصحفية، "أصداء الطريق" لمحمد عبدالواحد، إلى "كلام لا يهم أحداً" و"شيء من حتى" للفايدي، إلى "رزقي على الله" لثامر الميمان، تجلت روعة التنوع والثراء الثقافي والفكري التي لم تخرج أبداً عن إطارها الوطني والتزامها بالثوابت العامة دون خروج أو تهاون، بكل ما تعنيه مسؤولية الكلمة، من عمق الفكرة، إلى بساطة الحرف وشموخ العبارة، ومشاكسة غير محدودة قد تصل حد "اللجلجة" الجميلة والتي تميل الى الصراحة والوضوح، مع شجاعة في الطرح، واعتزاز غير محدود بالنفس لا يعرف التسوّل أو الاستجداء والرضوخ. تميزت أعمدة الثلاثي الراحل عبر كل محطاتها المتنقلة في صحافتنا السعودية، وطارت بهم إلى أعماق قارئ رأى فيهم المكاشفة الساخرة، والتعبير القريب من النفس، والصدق في تحمل أمانة ومسؤولية الكلمة، دونما ضجيج أو إثارة مفتعلة، لذا سجلوا حضورهم في دفتر عناقيد فاكهة الوطن طيلة كل هذه العقود الماضية، وأثق أن كلماتهم سيبقى صداها مهما طال الزمن، وحتى بعد غيابهم المؤلم.. ليصبحوا مدرسة في الكتابة الصحفية تستحق التأصيل والترسيخ، بعد أن ظلوا ظاهرة للفروسية النبيلة تلقى التقدير والإعجاب. رحم الله ثلاثي الكلمة النبيلة، وأجزل لهم العطاء في حياتهم الآخرة، وعوضنا عنهم خيراً، وخالص العزاء لأسرتنا الصحفية والثقافية، وبهذه المناسبة، أتمنى على الدكتور عادل الطريفي وزير الثقافة والإعلام تكريم أسمائهم بما يليق بعطائهم في حفل كبير يعيد الاعتبار للكلمة الصادقة، ويقدم نموذجاً لوطن لا ينسى أبناءه المخلصي