خلصنا في مقال سابقٍ أنه لا يكفي أن نعلم شبابنا الجامعي اليوم، العلوم الطبيعية والفنون والمهارات اللازمة وحسب؛ إذ لا بد من فتح آفاقهم نحو علم "ريادة الأعمال" لأهميته في عصرهم المتسارع ومستقبلهم الجامح معاً. ولا يشترط أن يكون "رواد الأعمال" كذلك في الأساس رجال أعمالٍ، بل أناس ذوو مسؤولية يعملون بشغف وإصرار وثقة وقد أخذوا على أنفسهم مهمة "تغيير العالم"، وخلق شكل جديد ممتع للحياة يحبّونه ويبتكرون فيه، وهنا يكمن السرّ؛ أن تحب ما تفعل وتفعل ما تحب! وذلك ما نجحت فيه منظمة الأممالمتحدة للتنمية الصناعية (UNIDO) بإدخال مناهج ريادة الأعمال في أكثر من 11 دولة حول العالم، لتعليم ملايين الطلاب مهارات الريادة، والتي لا تنحصر فقط على المهارات اللازمة لبدء وإدارة الأعمال، لكنها تشمل أيضا مهارات حياتية ذات أهمية كالتواصل والقيادة والإبداع وإدارة المخاطر، والعمل في مجموعات، وتشجيع الطلاب على إيجاد حلول خلاقة للمشاكل بأنفسهم، على عكس تقديمها مباشرةً لهم. في أوروبا، يعتني الآلاف من الشباب سنوياً بتعلم ريادة الأعمال، لأن هذا بطبيعة الحال يخلق المهن، ويعزز الابتكارات الشخصية، وإنشاء الشركات المبتدئة، فهناك في مدريد مثلاً، مقر لواحدة من أكبر شركات صناعة السيارات الكورية لصاحبها "ديفيد ماتا"، وهو رجل أعمال في السابعة والعشرين من العمر قام بتصميم وتسويق هذه الماركة الحديثة بفضل دراسته لعلم ريادة الأعمال، ومثل ديفيد في مدريد، هناك الكثير من الأمثلة في أنحاء أوروبا والعالم. من منعطف آخر، يمكن تأكيد أهمية علم ريادة الأعمال من خلال النظر إلى الجامعات البحثية فمن مكتباتها الضخمة إلى مختبراتها المجهزة بأحدث التقنية إلى أعضاء هيئة التدريس ومنسوبيها من مختلف التخصصات إلى ميزانيتها المالية الكبيرة، يتضح أن كل العلوم هي ركيزة أساسية للنموذج الاقتصادي في الجامعات البحثية، ونستطيع أن نحل هذا الخلاف من جهة أخرى؛ بأن يتعلّم الأكاديميون -حالياً- طرق فكر ريادة الأعمال، وأن يشترك رواد الأعمال في الأنشطة الأكاديمية، ولعل ما أورده الباحثان "هولدين ثروب" و"بوك قولدستين" من أنموذجين ناجحين يوضح العلاقة المطلوبة، بين الفكر الأكاديمي وفكر ريادة الأعمال: أحدهما مختبر لانجر (The Langer Lab) في معهد ماساتشوستس للتقنية، والآخر مجموعة ديسمون البحثية (The DeSimone Research Group) في جامعة شمال كارولاينا الأميركية، يكفي أن يذيب الخلاف ويمحو الصورة النمطية والتقليدية الذي قد يخلط فيه البعض إذا نظر لريادة الأعمال بأنه فكر يقوم بوظيفة "تسويقية" فقط وتلك نظرة خاطئة قاصرة؛ لأنه ومن الواقع فكر حدثي عصري ثوري يقوم بدور مهم في إعطاء صورة واضحة على طبيعة أسواق المستقبل ومن خلال تنوير علمي أكاديمي كذلك!