يتحدث د. عبدالعزيز عبد الغني إبراهيم ضمن كتابه "روايات غربية عن رحلات في الجزيرة العربية" عن البريطاني جيرالد جويري وكتابه العنقاء العربية الذي كان بحسب وصفه يوحي بوضوح أن العرب وأهل الجزيرة بالذات يحنون إلى ماضيهم العريق ويتطلعون إلى أن يحققوا في حاضرهم بعض ما اندثر من ذلك الماضي كان المؤلف يخاطب مجتمعه الغربي الذي ظل من عصور طويلة يرى أرض العرب أساطير حية فالعنقاء التي جعلها عنواناً لكتابه والتي وردت في قصص الأدب العربي الموغل في الخيال هي عندهم الغول والخل الوفي كائن لا وجود له إلا في الأساطير ومع ذلك يصر صاحب كتاب العنقاء العربية في رومانسية تشربت الفكر الوثني على أن يعطي هذا الكائن هوية عربية بشهادة أوروبية. استغرق التعريف بالعنقاء حسب قراءة الدكتور عبد العزيز حيزا كبيرا من الكتاب ويحيلنا مؤلفه في بدايته على ما ذكره أحد الأدباء الفرس من أن آخر العنقاوات الحية عاشت في حدائق حيوان البلاط الفاطمي ويبدأ الكاتب في استقصاء وصف طائر العنقاء العربية واعتمد الأسطورة الغربية في هذا السرد عندما قال في كتابه على لسان بلني: إن العنقاء طائر ذو ريش أرجواني اللون ينحسر عند أطرافه في الرقبة والذيل فالأولى يزينها ريش ذهبي أما الذيل الذي يمتاز بريش لازوردي طويل فيخالطه في تدرج ريش آخر وردي. يساير الرحالة بعد ذلك الأسطورة الأوربية القديمة ليحكي أن لطائر العنقاء عرفين من الريش يقف الأول كالحزمة فوق رأسه ويزين الآخر أعلى الرقبة. وأن الشمس تقدس هذا الطائر وأن الطائر عندما يشيخ ويحس بدنو أجله يتوارى في عش يتخذه من أعواد القرفة ويملأه بأصناف العطور فيتضوع مرقده أريجا بعبق البخور المتصاعد ويظل مستلقيا فيه حتى يدركه الموت الذي لا يمثل له نهاية المطاف. فبعد الموت تنبثق من عظام الطائر دودة صغيرة بنية اللون ترضع نخاعه ثم ما تلبث أن تترعرع حتى تستحيل فرخا يشب فيؤدي بكل الضراعة والخشوع ذلك العمل الذي كان أسلافه يؤدونه سلفا. ثم يحمل عشه كاملا ويهاجر إلى مدينة الشمس على مشارف "باتشيا" حيث يودعه مذبحها المقدس ويضيف الدكتور عبدالعزيز ما ذهب إليه جويري اعتمادا على تلك الأساطير أن السنة العظيمة تنتهي بانتهاء حياة هذا الطائر لتبدأ من جديد مع الفرخ الوليد لتعيد دورة الفصول السابقة، وتأخذ النجوم تسطع وتتوهج مرة أخرى. ويصل إلى أن السنة العظيمة تلك هي مسار عطارد رسول الاله وأقرب السيارات للشمس وتمتد هذه السنة 625 عاما مما نعد. يذهب بعد ذلك إلى أن للعنقاء هوية عربية صرفاً منذ أمد بعيد ويربط بين لفظها اللاتيني وبين الفينيقيين ذلك العنصر الشرقي الذي حمل قدرا من الحضارة إلى الغرب البدائي الهمجي، يذهب بعد ذلك حسب استنتاج د. عبد العزيز إلى أن المؤلف اعتمادا على مصادره الاسطورية الى أن "بانشايا" الواردة في النص هي جزيرة "سقطرة" الراقدة عند السواحل الجنوبية لشبه الجزيرة العربية وأن اسمها يعني – جزيرة النعيم وهو لفظ بمعني الجنة اكتسبته تلك الجزيرة لأنها موطن الملوك الذين يملكون أرض البخور. مضيفا أن العنقاء تقضي قسطا من حياتها في ماشور التي تعني في تقديره وسط شبه الجزيرة العربية التي تشكل جبلا أجا وسلمى مداخلها ويقول بأنها كانت تعرف في مرتفعات نجد نصا بلفظ العنقاء. ويمضي الكاتب إلى أن جويري لم يتورع عن استغلال الأساطير الغربية ومزجها بالشرقية لاثبات ما يظنه حقيقة عربية موغلة في الوهم الذي استحدثه الخيال العربي الغارق في الرومانسية. يذكر بعد ذلك أن جويري خاض في علاقة القربى بين العنقاء العربية و (السمورغ) الفارسي والذي وصفه بأنه طائر مثل العنقاء يعيش بمعزل عن بني الإنسان على قمم الجبال الشوامخ متخذا عشه من أعواد يستخرج منها عصارة الصبر وعندما يطير في الجو تكتسيه غمامة تبدو كأنها توشك أن تمطر مرجانا. مضيفا بالاعتماد على مصادر الأسطورة الغربية أن السمورغ بات بعدئذ يسكن شبه جزيرة العرب في جبال كاف موطن الجن العربي، ويستمر في تعديد قرابات العنقاء الغربية في الشرق فيذكر طائر خنثى في الصين يلقح نفسه صديقا للغول ويمثل في ذاته رمزا كونيا معينا. ثم يذكر طائرا مشابها في كوريا من قرابة العنقاء العربية وشوهد آخر مرة عام 665م وهو يراقص السحاب على أنغام الناي. ويعتقد الكاتب بأن دي جويري يدين تاريخنا الاسلامي كله اعتمادا على أساطير غربية ويرى أن العرب والمسلمين في سعيهم إلى تحكيم الشرع يأملون بناء مجد طارف على أنقاض مجد غابر بقيم قد تقادم عليها العهد وماعادت صالحة لتؤسس مجدا جديدا. ولكن كما قال هيهات فالعنقاء قد ولى زمانها وما عادت قادرة على إعادت بعثها من جديد فقد شوهدت آخر مرة عام 665م في العصر الإسلامي الأول. العنقاء وحميمته بالشمس