إعداد - د. محمد بن يسلم شبراق / تصوير - محمد المحترش: يوافق يوم السبت السادس من شهر سبتمبر من هذا العام 2014م اليوم العالمي للتوعية بالنسور، حيث تقوم العديد من الجهات والمنظمات العالمية المهتمة بالمحافظة على الحياة الفطرية بالعالم بتقديم برامج توعوية لإبراز دور النسور في النظام البيئي، وقد جاءت فكرة هذا اليوم من خلال الأيام التوعوية للنسور، والذي قام به برنامج الطيور الجوارح في جنوب أفريقيا وجمعية المحافظة على الباز البريطانية، حيث عملا معاً لتطوير هذا العمل ليصبح من أهم الفعاليات التي تقوم به الكثير من المنظمات في معظم قارات العالم، وذلك لما تواجه هذه الطيور من مخاطر عديدة معظمها من تأثير الإنسان، وقد بلغ عدد المشاركين بهذه الفعالية حول العالم من منظمات وحدائق حيوان ومحميات حوالي 86، وعليه فقد أحببت أن أشارك الجميع فيما نعرفه عن النسور في وطننا الغالي وأهميتها من خلال رحلة مع القارئ لنجوب فيها أرض بلادي للتعرف على أنواع النسور بأرض الوطن. وفي المملكة العربية السعودية سجلت خمسة أنواع من النسور منها أربعة أنواع معششة هي نسر الأذون (النسر الوردي)، النسر الأسمر، النسر المصري (الرخمة المصرية - العليا)، والنسر الملتحي، أما الخامس فهو نوع مهاجر يعرف بالنسر الأسود (نسر سيرينيوس)، وهناك نوع سادس ذكره ماينزهاجن في كتابه طيور شبة الجزيرة العربية المنشور عام 1945م، يعرف بالنسر الأسمر روبولي، وهذا النوع الأخير لم يؤيد تسجيله من قبل دارسي الطيور في المملكة لعدة أسباب، منها أن هذا النوع لم سجل من قبل متخصصي الطيور في الجزيرة العربية، وعليه فإن تسجيله غير مؤكد، كما أن ذكره في منطقة الخرج وهذا طبعاً غير منطقي لأن هذا النوع أفريقي الأصل وإذا وجد ربما الأنسب له المناطق التي يغطيها النطاق الأفريقي الإستوائي وهي المناطق الجنوبية الغربية من الجزيرة العربية، لذا يمكن القول إن عدد النسور بالمملكة العربية السعودية هي خمسة منها أربعة معششة واحد مهاجر. أولاً / نسر الأذون (النسر الوردي) واسمه الإنجليزي Lappet-faced Vulture أما الاسم العلمي (Torgos tracheliotus) وهذا النسر هو الوحيد بين النسور المعششة بالمملكة الذي يبني أعشاشه على الأشجار، بخلاف الأنواع الأخرى والتي تضع بيضها على المنحدرات الجبلية. وتمثل المجموعة الموجودة بالمملكة أكبر المجموعات عدداً للسلالة الخاصة بالجزيرة العربية وبلاد الشام، حيث يعتقد أنها انقرضت من بلاد الشام واختفت من بعض المناطق بشرق الجزيرة العربية ويقدر أحد الباحثين يدعى مايكل جينيجز أن عدد الأزواج المعششة بالجزيرة العربية حوالي 600 زوج فقط، لذا فالمجموعة المعششة بالمملكة هي من أهم المجموعات عالمياً لذا فقد وضعت ضمن تصنيف الاتحاد العالمي لصون الطبيعة ضمن الأنواع المهددة بالانقراض على المستوى العالمي. وتضع أنثى نسر الأذون بيضة واحدة وذلك في فصل الشتاء حيث تنخفض درجات الحرارة مما يساعد الزوجين بحضانة البيض، وتبلغ فترة الحضانة للبيض بين 54-56 يوماً، أما رعاية الصغار حتى تبدأ بالطيران فتصل من 120 إلى150 يوماً، تأتي بعدها مرحلة المتابعة والتعلم والتي يقضيها الفرخ بعد طيرانه وتصل بين ثلاثة إلى ستة أشهر، و هذه الفترة هي من أخطر مراحل النمو لهذه الطيور. وتصل هذه الطيور إلى مرحلة البلوغ في سن ما بين ستة وأحد عشر عاماً. ثانياً / النسر الأسمر واسمه الإنجليزي Griffon Vulture واسمه العلمي (Gyps fulvus) وينتشر هذا النوع من النسور في المنطقة الجنوبية الغربية ووسط المملكة وشمالها، ويبدأ موسم التكاثر لهذا النوع في منتصف الشتاء ويستمر وضع البيض إلى بداية شهر مارس، ويعمل كل زوج على بناء عشه على المنحدرات الجبلية والكهوف، وتبني أعشاشها في مستعمرات قد تصل في بعض المناطق إلى 150 زوجاً في مستعمرة واحدة، وتضع الأنثى بيضة واحدة فقط، يتساعد الأبوان في حضانتها وذلك لمدة 50-58 يوماً، ويبدأ الفرخ بالطيران وهو بين 110-130 يوماً ويبقى الصغير أحياناً بالقرب من العش يعتمد على أبويه في الغذاء مدة ثلاثة أشهر ليبدأ بعدها بالاستقلال عنهما، وعندما يصل عمره أربع سنوات وهو سن البلوغ ربما يعود لنفس المستعمرة للتعشيش. وبالرغم أن هذا النوع لم يصل حسب الاتحاد العالمي لصون لمرحلة التهديد بالانقراض إلا أن أعداده تناقصت بشكل ملفت للنظر. ثالثاً / الرخمة المصرية (النسر المصري، الأنوق، العليا) واسمه الإنجليزي Egyptian Vulture واسمه العلمي (Neophron percnopterus): من الطيور المعروفة عند العرب وتسمى الأنوق وتكنى عند العرب قديماً بأم جعران وأم قيس وأم كثير، ويتميز البالغ منها بلونه الأبيض وأطراف أجنحة سوداء وبمنقار ووجه أصفر وسواد بمقدمة المنقار ويختلف لون الفرخ في سنته الأولي والثانية حيث يتميز بلونه الأسود، ويصل وزن البالغ بين 1600-2200جرام وهو ينتشر في معظم مناطق المملكة، كما يتواجد أيضاً في بعض الجزر بالبحر الأحمر كمحمية جزر فرسان. وتعشش هذه الطيور في أعالي المنحدرات الجبلية، ويبدأ تكاثر هذه الطيور مع شهر ديسمبر ويبني عشه من أغصان الأشجار وتضع الأنثى بيضة واحدة ونادراً جداً ما تضع بيضتين ويحضن البيض قرابة 42 يوما، وتصل الفراخ لسن الطيران وعمرها بين 70-85 يوماً وتبقى بجوار العش لتحصل على غذائها من والديها قرابة الشهر قبل أن ترحل بعيداً لتعتمد على نفسها، وتصل هذه النسور لسن بين سن الرابعة والخامسة. والرخمة المصرية تناقصت أعدادها حول العالم بشكل كبير خلال العقدين الماضيين حتى أن الاتحاد العالمي وضعها ضمن الأنواع المهددة بالانقراض بشكل خطر. رابعاً / النسر الملتحي واسمه الانجليزي Bearded Vulture واسمه العلمي (Gypaetus barbatus): وهو من وجهة نظري من أجمل النسور بالعالم، وسجل تواجده بالمملكة في المناطق الجنوبية الغربية على المرتفعات الجبلية وذلك من الطائف شمالاً إلى الحدود اليمنية جنوباً. ويتميز بحلقة حمراء حول عينية كذلك الريش الخفيف المتدلي من قاعدة المنقار بالرأس تشبه اللحية، ومنها يرجع تسميته بالنسر الملتحي، كما يتميز البالغ منه برقبة ذات ريش برتقالي، أما الصغار في سنتها الأولى والثانية فيغلب على ريشها اللون الأسود، ومن بين النسور جميعاً فإن تغذية هذا النسر تعتمد كثيراً على العظام، فقد أشارت إحدى الدراسات بجنوب أفريقيا إلى أن العظام تمثل ما نسبته 80% من غذاء النسر الملتحي والباقي عبارة عن الأنسجة العضلية لحيوانات عشبية نافقه. وتعيش هذه النسور عادةً منفردة أو كزوج واحد في منطقة واحدة كذلك تبحث عن غذائها منفردة، وتعشش هذه الطيور في أعالي المنحدرات الجبلية وذلك بين شهر يناير إلى مايو حيث تضع الأنثى بيضة إلى بيضتين وتبلغ مدة الحضانة للبيض بين 53 - 58 يوماً، وتبدأ الفراخ بالطيران وعمرها بين 106-130 يوماً، ويبقى الفرخ مع أبوية إلى أن يصل عمرة السنة قبل أن يغادر منطقة العش ليعتمد على نفسه. والنسر الملتحي من الأنواع المهددة بالانقراض في المملكة، فخلال السنوات الماضية لم يسجل من قبل الباحثين بالطيور بالمملكة منذ أكثر من ثلاثة عقود، وبالرغم من ندرته بالمملكة العربية السعودية وبعض دول انتشاره بأفريقيا وأوروبا، إلا أنه على مستوى العالم غير مهدد بالانقراض وهذا ليس راجعاً لكثرة أعداده، ولكن بسبب انتشاره الواسع بالعالم القديم (آسيا - أوروبا - أفريقيا)، وقد قامت عدد من المنظمات الدولية بعمل برامج إكثار وإعادة توطينه لبيئاته الطبيعية مثل ما حدث في جبال الألب بسويسرا وفرنسا. خامساً/ النسر الأسود (نسر سيريونيس) الاسم الإنجليزي Cinereous Vulture والاسم العلمي Aegypius monachus : وهو من النسور المهاجرة وتصل في نهاية شهر نوفمبر وديسمبر وتبقى بالمملكة خلال شهور الشتاء، وهذا النوع مشابه لنسر الأذون فهو يعشش أيضاً على الأشجار، ولكنه أكبر حجماً ومختلف عنه شكلياً بلونه الأسود وكبر جناحيه والرأس خالٍ من الريش والرقبة تميل للون الأزرق الرمادي والرأس مغطى بزغب أسود يزيد في الصغار وكأنه برقع، ويعشش في مناطق الغابات والمناطق الجبلية، وسجل بالمنطقة كطائر مهاجر عابر وكذلك كزائر شتوي حيث سجل خلال فترة الشتاء بالقرب من جبل العامود والذي كان يعتقد سابقاً أنه من الطيور المعششة بالمنطقة، وقد أشارت إحدى الدراسات إلى أن أحد فروخ هذه الطيور تم وضع أجهزة متابعة بالأقمار الاصطناعية في منطقة بجورجيا بالقرب من الحدود مع أذربيجان أنها عبرت المملكة من منطقة الحدود الشمالية لتصل لمناطقها الشتوية بالمملكة، وذلك في المنطقة بين الرياض والمدينة، ويبدأ موسم التكاثر بين شهري فبراير وإبريل وتضع الأنثى في معظم الأحيان بيضة واحدة ونادراً ما تضع بيضتين وذلك في أعشاش على الأشجار يصل قطرها بين 1.5-2م وسمك يصل إلى ثلاثة أمتار وذلك لأنها تبني الأعشاش الجديدة فوق القديمة، وتصل فترة حضانة البيض بين 54-56 يوماً ويخرج الفرخ وعليه زغب رمادي، ويصل لسن الطيران وعمره بين 95-120 يوما، وتعرف هذه الطيور بأنها من الطيور المعمرة حيث تصل أعمارها إلى أكثر من 39 سنة. وهذا النوع صنف من الأنواع القريبة من مرحلة الانقراض حيث تناقص بشكل كبير في معظم مناطق انتشاره. ومن الأسباب الأخرى المهمة التي أدت إلى تدهور أعداد النسور بالعالم إلى التسميم المباشر وغير المباشر ورش المبيدات الحشرية وتلوث المياه بالمواد الكيميائية، وتصادمها مع أسلاك الكهرباء، والإزعاج بمناطق التكاثر وهذه المؤثرات جميعها سجلت بالمملكة، فقد أشارت دراسة عن النسور بالمملكة على تناقص أعداد هذه النسور بشكل كبير حتى أصبح معظمها إما مهدداً بالانقراض أو عرضة لخطر للانقراض، ولا أنسى تأثير الدايكلوفيناك على هذه الطيور. وفي الختام أتمنى أن أكون قدمت فكرة ولو بسيطة عن النسور وأهميتها بالنظام البيئي من خلال تخليصها من الحيوانات النافقة جراء الأمراض المعدية بتغذيتها عليها، ولتلعب دورها كما أمرها ربها للحفاظ على سلامة النظام البيئي لمصلحة بني آدم، وأستغل هذه الفرصة بدعوة الجميع للمساهمة للحفاظ على هذه الأنواع من الطيور ودعم برامج حمايتها ودراستها ومتابعتها للتعرف أكثر على هذه الطيور من طيور الوطن الحبيب.