لم يكن "أسبوع المرور" الذي مر قبل عدة أيام سوى مناسبة تقليدية باردة اعتدنا أن نعيشها سنوياً دون أن نلمس أي تغيير. فمنذ برنامج "قف" التوعوي الذي كانت تنتجه وزارات داخلية دول الخليج في الثمانينيات وسلوك قائدي السيارات لم يتغير إلا للأسوأ. بل للأسف وصلت الفوضى المرورية لدينا إلى مستوى مخجل، وأصبحت خطورة القيادة في المدن الكبرى مخيفة إلى درجة أن أحد زوار المملكة كتب في مدونته "تجربة قيادة السيارة في شوارع الرياض كانت أحد أكثر المواقف رعباً في حياتي". في محاضرة ألقاها قبل عدة سنوات العقيد د. زهير شرف بمناسبة أسبوع المرور الخليجي ال29، أشار إلى أن عدد ضحايا الحوادث في السعودية تجاوز في العقدين الماضيين أكثر من 86 ألف شخص، وفي عام 2011م بلغ أكثر من 7153 شخصا، وهو رقم يفوق عدد ضحايا العنف في العراق للعام نفسه الذي بلغ نحو 4200 شخص، كما أنه أعلى من عدد ضحايا حرب الخليج الذي بلغ 5200 شخص فقط. كما توقع أن يصل عام 2019 إلى 9600 شخص في العام. مشكلة الشوارع عندما تتحول إلى فوضى لا تقتصر على خسائر الأرواح فقط، هي مشكلة معقدة تتشابك فيها الخسائر الاقتصادية والاجتماعية بل وحتى النفسية. فعلى مستوى الاقتصاد يقدر الفقد في الناتج الوطني السعودي بسبب الحوادث ب4.7 % مقارنة بأستراليا وإنجلترا وأميركا التي سجلت 1.7%، ويقدر النزف البشري والمادي السنوي، ب 5.6 مليارات سنوياً. ناهيك عن استغلال شركات التأمين لارتفاع نسب الحوادث في زيادة أسعار بوليصات التأمين. وعلى المستوى الاجتماعي والنفسي يعاني سائقو السيارات قلقا واضطرابا نفسيا بشكل أكبر بكثير بسبب القيادة في شوارع فوضوية وهو ما ينعكس على أدائهم الوظيفي وعلى علاقاتهم الإنسانية، وتأمل شعورك عندما تخرج الصباح وتضطر لخوض معارك مرورية طوال طريقك للعمل ستجد أنك وصلت إلى مقر عملك وقد فقدت الكثير من طاقتك في مشوار الصباح فقط. رفع قيم المخالفات المرورية الذي تم مؤخرا خطوة إيجابية لكنها لم تكن كافية، إشارات المرور مثلا استعادت هيبتها بعد أن عرف السائقون أن مخالفة تجاوزها تصل إلى ثلاثة آلاف ريال. لكن بقيت مخالفات جوهرية أخرى مهملة. الوقوف العشوائي المخجل أمام المطاعم والمحلات، والقيادة برعونة واستهتار، والدخول القسري وتخطي الصف في المخارج وعند الإشارات كلها ممارسات همجية مازالت تغص بها شوارعنا وتحتاج إلى معالجة وعقوبات مغلظة. وأخيراً، لا يمكن أن يتطور وضع المرور دون تطبيق معادلة النجاح بدقة والتي هي التوعية المرورية الشاملة والقوانين المغلظة والصرامة في تطبيقها.