يعتبر الاجتهاد الحنبلي من أوسع الاجتهادات الفقهية الإسلامية في فقه المعاملات، حتى قال بعض فقهاء العصر من غير الحنابلة: لا ينقضي منه إعجاب المتأمل وهو الاجتهاد الجدير بالخلود، وترى الباحثين المعاصرين يفزعون إلى مذهب الإمام أحمد عند النظر في كثير من المسائل المالية، ذلك أن الإمام أحمد يرى: "أن الأصل الشرعي بمقتضى دلائل نصوص الشريعة والسنة العملية، هو حرية العقود أنواعاً وشروطاً، ووجوب الوفاء بكل ما يلتزمه العاقدان ويشترطانه، ما لم يرد في نصوص الشريعة أو قواعدها ما يمنع من عقد أو شرط معيَّن، فعندئذ يمتنع بخصوصه على خلاف القاعدة، ويعتبر الاتفاق عليه باطلاً، كالتعاقد على الربا أو الشروط التي تحل حراماً أو تحرم حلالاً". وهذا هو مبنى الاجتهاد الحنبلي، بحسب نصوص فقهائه، في حين أن الاجتهادات المختلفة في الفقه الإسلامي: بعضها يضيق حرية الشروط العقدية، وبعضها يوسعها توسيعاً على غرار ما استقرت عليه المبادئ القانونية الحديثة في ذلك. ومع أن الإمام أحمد معدود من فقهاء مدرسة الحديث لا من مدرسة الرأي، فإن الأستاذ الجليل العالم الأزهري محمد أبو زهرة في كتابه ابن حنبل يرى: أن علم الإمام أحمد بالآثار كان يسعفه في فتح أبواب للشروط ظنَّ غيره ممن لا يعلم السنة كعلمه أنها مغلقة، فدراسة الإمام أحمد للآثار جعلته يفهم أن منطق الفقه الأثري يوجب الإطلاق والإباحة، حتى يقوم دليل التقييد والمنع. وما قرره أبو زهرة هنا؛ قرره ابن تيمية في كثير من كتاباته. وعموماً سواء في مذهب الإمام أحمد أو غيره؛ فإن الآراء والنظريات الفقهية المعتبرة، تعتبر ثروة تشريعية قيمة، سواء منها الراجح والمرجوح، وقد يظهر مع تطور المصالح تقديم المرجوح على الراجح، مما هو أرفق للناس وأقوم بمصالحهم. * الأمين العام لهيئة كبار العلماء عضو المجمع الفقهي الإسلامي