لم تكن السويعات القليلة التي عاشها أبناء مكةالمكرمةوجدة مع مفتي مصر الشيخ الدكتور شوقي إبراهيم علام، والدكتور أسامة السيد محمود الأزهري المشرف على مكتب رسالة الأزهر الشريف، والدكتور إبراهيم نجم مستشار المفتي، في جلسة الفدعق العلمية، إلا لحظات تجلت فيها «مدرسة التمذهب» بحديث علام وفدعق، وبحضور مجموعة من العلماء والفقهاء في لقاء فقهي بحت في عروس البحر جمع أصحاب الجلسات العلمية والوجهاء والأعيان وعددا كبيرا من طلبة العلم الشريف. قبل الدخول في تفاصيل تلك الجلسة العلمية، فإن الفقهاء عرفوا «التمذهب» بأنه: اتباع أحد الأئمة الأربعة (الحنفية، المالكية، الشافعية، والحنابلة)، والبعض اختلف في النظر للمدارس والمذاهب الفقهية؛ بعضهم يعتبرها ثراء للشريعة بتقليد أحدها أو عالم معتبر فيها، وآخرون يعتبروها سببا للفرقة والتشتت. المنهجية أولا تحدث الدكتور شوقي علام عن «تكوين المنهجية العقلية لطالب العلم»، حيث أوضح أن «ما نقل إلينا مطلقا قد قيد فيما بعد، ولم ينقل إلينا هذا التقييد، لكن بالدراسة والتتبع والاستقراء وجدنا أن المذاهب الأربعة قد حررت تحريرا دقيقا شاملا لكل تفاصيلها من العموم والخصوص والمقيد والمطلق وأقوال تلك المذاهب، حتى أن الأحكام التي بنيت على الأعراف والمصالح قد تغيرت، ولكنها سجلت في مطولات، ولذلك فنحن أمام منهجية متكاملة». وأضاف الدكتور علام: «طالب العلم عندما يسير في هذه المنهجية المتكاملة يكون عقلا فقهيا متكاملا، ونحن لا نريده أن يذهب إلى الكتاب الكريم والسنة لنبوية مباشرة، وهما الأصل؛ لأن هذا فيه من الخطورة التي تأتي من طالب العلم ليس لديه الأهلية التي تؤهله للتعامل مع النصوص الشرعية، وهذه تحتاج إلى أهلية كاملة لفهم النص الشرعي، وهذا التقويم لا يأتي بين يوم وليلة، كما قال الشيخ محمد الغزالي وهو يرثي لهذه الحالة التي وصل إليها شباب الأمة الإسلامية: (يشتري كتابا يوم السبت ويقرأه الأحد ويفتي الاثنين)، فالعقلية تتكون بتراكم معرفي طويل المدى يمتد لسنوات طويلة، وهذا ما كان عليها الجيل الأول من العلماء». وأوضح الدكتور علام أن «المذهبية المطلوبة والرجوع مباشرة إلى الكتاب الكريم والسنة المطهرة من الشباب إنما لا يكون إلا بعد اتباع هذه المنهجية أولا، وإذا صار الشاب مثل ما صار إليه الأئمة الأربعة نحن أول من يقلد هذا الشاب ويتبعه؛ لأنه وصل إلى هذه الدرجة العلمية التي تؤهله أن يكون قائدا في المجال الفقهي والفكري والتأصيلي». استفهامات فقهية ثمة استفهامات دارت في أذهان بعض شهود «جلسة الفدعق العلمية»، أبرزها: هل يتمذهب المسلم بمذهب معين، أم أن له أن يأخذ من كل مذهب مسألة؟، وهل له الحق في الانتقال من مذهب إلى آخر؟، أم له الحق في الأخذ من كل مذهب بما يناسبه؟، وهل من قلد عددا من العلماء في مسائل عدة هل يعد متمذهبا؟. ومن خلال استقراء لما يدور في الجلسات العلمية، فإن «أنصار التمذهب» يرون أن من يأخذ مسألة من هنا وأخرى من هناك، فإن هذا لا يعد متمذهبا، معتبرين أن «التمذهب» سلوك طريق واحدة ومذهب واحد لا يحيد عنه، خصوصا أن العرف الفقهي عند العلماء هو التقيد بالتزام مذهب واحد دون الأخذ من المذاهب الأخرى، ومن يأخذ مسألة من كل مذهب فإنه لا يعد ملتزما بمذهب، أي ليس متمذهبا. ذلك الرأي الذي يراه الشيخان شوقي علام (الضيف) وعبدالله فدعق (المضيف)، وآخرون من شهود تلك الجلسة الفقهية، الذين رأوا أنه لا ينبغي الجمع بين المذاهب كلها، وإلا أصبح ذلك مذهبا خامسا، ولا يمنع من الانتقال إلى مذهب آخر يرتاح إليه، ولكن آخرين رأوا أنه لا تنتفي صفة «التمذهب» عمن اتبع مذهبا معينا ثم أخذ بوجهة نظر من غير مذهبه، والكل أجمع أن على «المتمذهب» عدم التعصب الذي يرافقه كراهية للمذاهب الأخرى التي لا يتبعها، ويمكن الخروج من تلك الجلسة العلمية أن «التمذهب» ليس جمودا فقهيا كما يرى بعض المتعصبين لمذاهبهم. جواز التمذهب والخلاصة التي يمكن أن يخرج منها الشخص من ذلك المجلس: أن «التمذهب» كما يراه الفقهاء في جلسة الفدعق العلمية ثراء للشريعة الإسلامية وأحد عوامل السعة والمرونة فيها، وتيسير على غير من لم يبلغ رتبة النظر والاجتهاد في علوم الشرعية أن يقلد مذهبا أو عالما معتبرا، وجواز «التمذهب» بأحد المذاهب الأربعة بشرط عدم التعصب، وإن كان بعض أتباع المذاهب قد أصابهم تعصب، فهذا لا يوجه الحكم بهدم بناء شامخ استفادت منه الأجيال، وأن أراد مسلم أن يتعلم الفقه فإنه يتعلمه عن طريق أحد المذاهب الأربعة؛ لأنها أقيمت من أجل التفقه والتزود من المعرفة.