يعرف عن السلفية أنها ترجع إلى السلف الصالح في فهمهم للنصوص وتطبيقهم لها. لكن المتمعن في منهج السلفية المعاصرة يدرك أنها حنبلية المذهب وتعتمد في كثير من طرحها على نتاج مدرسة أهل الحديث. ليس هذا وحسب؛ بل إن السلفية المعاصرة كثيراً ما تبدد جهداً كبيراً في الاختلاف مع المذاهب الفقهية الثلاثة الأخرى حول مسائل فقهية صغيرة، فضلا عن تسلمها راية الخلاف المزمن مع الأشاعرة حول مسائل الأسماء والصفات والحلول والتجسيم وغيرها. ومن يستعرض نتاج مدرسة أهل الحديث ويقارنها بما عليه السلفية المعاصرة، يجد أن ثمة فارقاً كبيراً في الفهم والتطبيق وحتى في الممارسة! ففي السياسة الشرعية تزهد السلفية المعاصرة بفقه المقاصد والمصالح المرسلة وغالباً ما تحرّم الأشياء لمجرد أنها ابتكارات حديثة، بينما نجد ابن القيم وهو حنبلي: «أينما وجدت المصلحة فثَم شرع الله»، ويقول ابن عقيل الحنبلي: «السياسة ما كان فعلا يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، وإن لم يضعه الرسول، ولا نزل فيه وحي. فإن قول لا سياسة إلا ما نطق به الشرع فهو غلط»! وحتى في الممارسة السياسية يجيز نجم الدين الطوفي الحنبلي تقديم المصلحة على النص إذا ما حدث تعارض ظاهر، وقد أيده ابن تيمية وهو أحد أبرز الحنابلة بهذا فقال: «لأن الشريعة مبنية على أن المفسدة المقتضية للتحريم إذا عارضتها حاجة راجحة، أبيح المحرم»! وكذلك أجاز ابن رجب الحنبلي القرعة في الولايات، في قواعده الفقهية، وبالتالي نستطيع أن نقول إن الحنابلة أول من أجاز الحكم عن طريق الاقتراع في الفقه الإسلامي. وفي الجهاد حرّم ابن تيمية قتال الكفار لمجرد كفرهم، على خلاف ما تعتقد السلفية المعاصرة، وبين أن الغاية هي مقاتلة المحاربين من الكفار، وأنكر نسخ آية السيف للآية الكريمة: «وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا» وذلك في رسالته «قاعدة في قتال الكفار» التي أثبتها الشيخ سليمان الصنيع بينما أنكرها عدد من الفقهاء المعاصرين. وفي العبادات والمعاملات أجاز ابن تيمية حج المرأة إذا أمن الحج، بينما السلفية تحرمه، وأجاز كذلك بيع الذهب بالذهب ودفع تكلفة الصياغة، بينما السلفية تعتبره ربا. ويرى أن قراءة الإمام للفاتحة جهرا تغني عن قراءة المأموم، لكن السلفية لا ترى ذلك. وأيضا يرى جواز الإسبال من غير خيلاء! وقد جمع أبوبكر الخلال فتاوى ابن حنبل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأحكام النساء، وفيها آراء كثيرة تخالفها السلفية لا يتسع لها المكان. وقد ورد عن ابن حنبل قوله: «ما غاب عنك فلا تفتش عليه»! وقد أجاز ابن قدامة الحنبلي كشف الوجه. كما أن الحنابلة منهم من أجاز التوسل بالصالحين، ويرون حرمة الحلف بغير الله لكن لا يرونه شركا. والبهوتي الحنبلي يرى كراهية التشبه بالكفار بعكس السلفية التي تحرّمه.