عرف الأدب العربي صنوفاً متعددة من أشكال الفخر والاعتزاز سطرها التاريخ وحفظها ديوان العرب حتى يومنا هذا، ولا يختلف عاقلان على أن الفخر بالذات والقبيلة أمر لا بأس به طالما كان محافظاً على نسقه المعتدل ومفهومه المختلف عن التفاخر الذي نهت عنه السنة النبوية. يشكل اللون الشعبي المعروف ب "الشيلات" امتداداً لما عرفه الشعر العربي من الفخر في فترة يعيش فيها هذا اللون الفني ذروة انتشاره، ولعل أبرز دوافع انتشار هذا اللون الفني هو لعبه على وتر عاطفة الانتماء للقبيلة، ناهيك على أنه يشكل بديلاً محافظاً لكثير ممن يجدون في أنفسهم حرجاً من الاستماع للألوان الفنية الأخرى المصحوبة بالموسيقى، كما أن الإيقاع الحماسي الذي يصحب عادةً هذه القصائد يجعل لها أثراً أكثر فاعلية وحضوراً، كل هذه الأسباب جعلت من "الشيلة" فناً يلقى رواجاً بالغاً لدى فئة كبيرة من الشباب والمراهقين وحتى الأطفال. ولا بأس في ذلك طالما كانت القصيدة المغناة لا تخرج عن نسقها المنضبط وتقتصر فقط على الاعتزاز بالقبيلة، إلا أن المتمعن في رسائل العديد من هذه القصائد يجد مضامين غير منضبطة وترسخ لبعض المفاهيم غير المقبولة اجتماعياً وشرعياً وتنخر في جسد المواطنة الذي نحن بحاجة إلى أن يكون متحداً أكثر من أي وقت مضى، والأمثلة في هذا الصدد كثيرة ومتعددة ولعل من أبرزها ما تنص عليه إحدى هذه "الشيلات" والتي تؤكد وتدعو بين ثناياها إلى وسيلة واحدة يمكن للفرد من خلالها نيل حقوقه بأسلوب الإرغام والعنجهية وإذلال الآخر، وكأنها توحي للمتلقي أنه لا وسيلة لنيل الحقوق إلا بهذه الطريقة أو بالتوسل والتودد لنيل الحق، وكأننا لا نعيش في بلد يحكمه قانون مستمد من الشريعة الإسلامية السمحة التي كفلت لكل صاحب حق أن ينال حقه وفق أطر شرعية منصوص عليها. كل هذا لن يكون معضلة لولا أننا نسمع مثل هذه الأبيات تتداول بين أطفالنا وشبابنا في الوقت الذي يجب أن نغرس فيهم احترام الآخرين واحترام القانون. حالة عدم الانضباط التي يعيشها هذا الفن تذكرنا إلى حد بعيد بالحالة التي عاشها ما يعرف ب"النشيد الإسلامي" في فترات سابقة كان فيه هذا الفن أحد أبرز الدوافع التي قادت بعض أبنائنا إلى التورط بمناطق الصراعات بل وحتى تهديد أمننا الوطني، إلا أن الوقفة الصارمة من قبل المسؤولين في العام 2004 جعلت هذا اللون الفني أكثر انضباطاً بعدما تم التشديد على فسح النشيد وتوزيعه ومسألة المؤسسات المنتجة له، الحالة في "الشيلة" تبدو أكثر صعوبة في ظل الانفتاح الإعلامي وثورة شبكات الاتصال الاجتماعية.