لا ينطبق القول «إذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقص» على تاريخ الدفوف في الجزيرة العربية، التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بمناسبات مختلفة، منها الديني «استقبال أهل المدينةالمنورة للرسول حين هاجر إليها وصاحبها النظم الأشهر طلع البدر علينا»، وصولاً إلى الأعراس المحافظة التي تمنع دخول الموسيقى أو الغناء لاحتفالاتها، وتستثني خاوي البطن عالي الصوت بوصفه من المسموحات. الدف تلك الآلة الموسيقية المتناهية في القدم، تناولتها الأيدي على مر العصور، وهي دعوة لإعلان الفرح، باتت محل جدل كبير بين «الإباحة والحرمة»، بيد أن قصة الهجرة النبوية وأنشودتها «طلع البدر علينا» التي صاحبها الدف، وتناولها الإعلام المقروء والمسموع حسمت الجدل القائم، ليكون الدف إعلان مناسبة لابد وأن تتسم بالعظمة والعموم، ولم يقتصر الجدل على الدف فقط، بل وصل إلى «الشيلات»، الكلمات الشعرية التي أخذت منحىً كبيراً لتتحول من طرق شعري، إلى غناء بمؤثرات صوتية كان للذوق أن يختلف في تصنيفها، ويتاح الرقص على إيقاعها شعراً وغناءً. وإن كان تاريخ الدف ضارب في عمق التاريخ من الهجرة النبوية حتى استشهد به الشاعر ابن التعايذي عام 519ه في بيته الشهير «إذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقص»، فإن حضور الشيلات لا يمتلك ذات العمق في الوجود والتداول، ليصل تشبيه البعض لهما كالفرق بين «الشعر العامي والفصيح»، وكما هو الفرق بين الشيلات والإنشاد. وتعتبر الشيلات من الفنون الشعبية الموروثة، وهي من أنواع الحداء والتغني بالشعر، والشيلة خليط من الألوان الشعبية النجدية، والهجيني، والسامري، والمسحوب، والرزفة، والخطوة، إضافة إلى استقاء بعض الفن الشعبي اليمني. واعتبر البعض فن الشيلات، فناً هجيناً أخذ من الإنشاد تخليه عن الموسيقى وأخذ من الغناء اللحن، ليشهد انتشاراً وقبولاً بين المجتمع السعودي، بما تناوله من قيم اجتماعية وقبلية، تتطرق للمدح والفخر، الأمر الذي تسعى إليه المنظمومة الاجتماعية القبلية منذ القدم، باعتبار الشعر حياة البادية ومنطلقها. وكان للشيلات حضوراً في ساحات العفو في حال الخلاف بين القبائل، وخصوصاً في حالات العفو عن الدم، لتسهم في إذابة الخلافات من خلال كلماتها، التي تبث روح الكرم والشهامة، أما الحماسة في ساحات الحروب فظهر ذلك أخيراً في «عاصفة الحزم». واشتقت كلمة «شيلة» من «شال» أي رفع، وتعبر عن رفع الصوت بالغناء، وفي السابق كان الشاعر إذا أراد التأكد من سلامة وزن أبياته فأنه يغنيه ولا يقطعه ولا يسأل عن وزن القصيدة، بل عن «شلَّتها»، حتى دخلت الموسيقى والمؤثرات الصوتية على الشيلات لتحولها إلى أغاني، مما دفع بعضو هيئة كبار العلماء الدكتور سعد الخثلان إلى الإفتاء بعدم جوازها. وقال في فتواه: «لا يجوز الاستماع للشيلات والآهات إذا كان فيها موسيقى أو دف»، موضحاً جوازها من دون موسيقى، كما لا يجوز الدف في غير الأعراس والأعياد. حسم النزاع القائم حول الدف والشيلات ليعيدها إلى أصولها فالدف كان لمناسبة عظيمة، والشيلات انطلقت شعرية ملحنة من دون موسيقى، على رغم انتشارها وتداولها مغناة حالياً.