لا مرية أن نقص القضاة هو المعضلة الكبرى لنظامنا القضائي، إذا أنها جمّت بآثار غير محمودة على أهل الخصومات، منها كثرة تأجيل القضايا واستطالة آماد نظرها إلى سنين، وهو ما فيه ثَلم للعدالة، وكما قيل العدالة البطيئة عدالة قاصرة.. كل هذا أورث سخطاً وتذمراً لدى من لهم خصومات أمام المحاكم ولهذا فإن آمالي عراض في تطبيق هذه الاقتراحات التى أُدلي بها لاعتقادي بأنها قد تحتوي على حل لهذه المعضلة وهي: * يستطاع أولاً علاج نقصهم بتعيين قضاة من أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام كقضاة، شريطة أن يكون قد تصرم على تعيينه ما يضارع سبع سنوات على الأقل وهو يعمل في الهيئة، إذ من الذين يعملون في الهيئة هذه من تخرج في كلية الشريعة ثم درس الأنظمة في معهد الإدارة وتدرب على تطبيق القوانين وهو ما تنطبق عليه القرارات الجديدة لمعالي رئيس مجلس القضاء الأعلى.. التى تبيح تعيين خريجي كليات الشريعة الحائزين على دبلوم الدراسة القانونية من معهد الإدارة، كما أن هؤلاء مارسوا التحقيق لعهود طوال في القضايا واعدوا أثناء عملهم الكثير من المذكرات الشرعية، وهو ما يعد صُلْب عمل القاضي في المحكمة، إضافة إلى هذا يتولى المدعون في هذه الهيئة إعداد العرائض الخاصة بالإدعاء.. ولا جدل أن ممارسة هذا الضرب من أعمال التحقيق لسنين يسدي إليهم تأهيلاً لا بأس به لتولي منصب القضاء، فهذا ما سار عليه القضاء في مصر وفي فرنسا، فالغلبة من القضاة فيه تولوا القضاء بعد أن لبثوا سنين وهم يعملون في النيابة العامة،.. أي الادعاء، وللتأكد من استعداد الذين سيعينون كقضاة من المستشارين الذين عملوا في التحقيق والادعاء يستطاع إجراء امتحان لهم طبقاً للمادة 31/ فقرة (د) والتى تقول: "أن يكون حاصلاً على شهادة من إحدى كليات الشريعة أو شهادة معادلة لها، بشرط أن ينجح في الحالة الأخيرة في امتحان خاص ويعده المجلس الأعلى للقضاء"، إلا أن الأكيد هو أن مستواهم الشرعي والقانوني يسمو -إلى حد بعيد - على المستوى العلمي لشاب غُمر لا يتعدى عمره 24 عاماً عديم التجارب يتم تعيينه كقاضٍ ليحكم في المال والرقاب بعد أن لازم قاضياً لعام أو عامين لمجرد أنه تخرج من كلية الشريعة. * أضيف إلى هذا قائلاً: بأن هناك من الذين تخرجوا في جامعة الأمير نايف، الذين درسوا من قبل في كلية الشريعة.. لذا فإنه يستطاع اختيار بعضٍ منهم كقضاة، فهم في هذه الجامعة يدرسون بتعمق أحكام الجنايات وقواعدها في الشريعة والقانون.. أي أن معارفهم في هذا الجانب تزيد بمراحل على ما هو عند حديثي التخرج في كلية الشريعة، فلو أنهم دُرِّبوا وتلقوا دراسات إضافية في الشريعة.. وطبقت عليهم المادة 31 فقرة (د) من نظام القضاء، فإنه يستطاع تعيينهم كقضاة في المحاكم الجزائية حتى نمنع إصدار أحكام قد يعتريها جور وظلم لأهل الخصومات. * يحسن تكليف غالب القضاة في محاكم المدن الكبرى إذا تطلب الأمر، بعقد جلسات إضافية خارج الدوام أي جلسات في الليل، وذلك خلال ثلاثة أيام أو أربعة من كل أسبوع، وهذا الطلب له من المنطق ما يعاضده، لأن الإكثار من الجلسات سيُسَرّعُ السير في نظر القضايا، ويمهّد لإصدار أحكام تنهي الخصومات.. في وقت معقول.. الأمر الذي يورث أثراً جد محمود على سير العادلة، وما سيبذل للقضاة من تعويض مالي عن العمل خارج الدوام ليس بذي بال إذا عرفنا المصلحة التي ستعود لأهل الخصومات والمتمثلة في إصدار أحكام تنهي قضاياهم دون تأخير تنهي قضاياهم. * لقد كان هناك وعد من الوزير السابق بتعيين مساعدين قضائيين شرعيين وقانونيين يبحثون في القضايا ويعدونها للقضاة، قبل الحكم فيها، وهذا لاشك له فائدة كبرى ويساعد على الإسراع في البت في القضايا، لذا فإننا نتمنى أن يحقق ذلك من خلفه في المنصب أي معالي الوزير الدكتور وليد الصمعاني. * لقلة القضاة في المحكمة العيا لم يطبق النص الذي ورد في نظام المرافعات والذي يبيح لكل شخص الطعن في حكم الاستئناف أمام المحكمة العليا، إذ لا بد أن يستصدر أمراً من المقام السامي كي تحال قضية للمحكمة العليا، وفي هذا عناء لأصحاب القضايا.. بل إن بعضهم قد لا يستطيع ذلك، فلماذا لا نأتي بقضاة متقاعدين من دول عربية كمصر مثلاً ممن مارس القضاء لأربعين عاماً ليأتوا ويساعدوا قضاة المحكمة العليا في إنهاء ما لديها؟ سيما وأن منهم من له كعب عالٍ في القضاء ويصعب أن يباريه أحد حتى في القضاء الذي يطبق أحكام الشريعة إلى جانب القوانين.. وعليه فإن تعيين ثلاثين أو أربعين قاضياً من مصر في المحكمة العليا سيعطيها القدرة لاستقبال قضايا أكثر والبت فيها دون تأخير.. أي تطبيق النص الوارد في نظام المرافعات الذي يعطي الحق لصاحب قضية في الطعن أمامها.