شعر العرب وأدبهم، تراثهم الأدبي وموروثهم الشعبي، يستمد رموزه من بيئته في الأغلب، كأي أمة أخرى، بل إن العرب أشدّ التصاقاً بالبيئة، وتأثراً من الأمم الأخرى، لأنهم كانوا معزولين عن العالم تقريباً، محصورين في صحرائهم، عدا بعض المحظوظين ممن سافروا لحواضر العالم آنذاك.. هكذا عاش العرب قبل الإسلام الحنيف، وإلى ذلك عادت نجد - وسط جزيرة العرب - قبل أن يتم توحيد المملكة على يد بطل العروبة والإسلام الملك عبدالعزيز ورجاله المخلصين، عليهم رحمة الله أجمعين.. وحتى مع تحضر العرب، واختلاطهم بالأمم الأخرى، ظلوا مخلصين لبيئتهم، مُحِبّين لصحرائهم، يستدلون برموزها على صحة معانيهم، وإلباس خيالهم ثياب الحقيقة، وإثبات حكمهم وأحكامهم بضرب الأمثال من مشاهداتهم النجوم والغيوم، ومن سلوك المخلوقات في هذه الصحراء، حيواناً كان أو جماداً، فالجبال رمز للقوة والثبات والشموخ، ورجاحة العقل: (أحلامنا تزن الجبال رجاحةً) كما يقول شاعرهم، والكواكب رمز للعلو الشاهق، والجبل للرجل الفذّ الذي فَقد رزيّة لا يتصورها أحد، كما قال المتنبي: ما كنتُ أحسبُ قبل دفنكَ في الثّرَى أنّ الكَواكِبَ في التّرابِ تَغُورُ ما كنتُ آمُلُ قَبلَ نَعشِكَ أن أرَى رَضْوَى على أيدي الرّجالِ يسيرُ وقول ابن المعتز يرثي المنصور: هذا أبو العباس في نَعْشِهِ :: قوموا انظروا كيف تسير الجبال أما الحيوان فكان له نصيب وافر من استعارات الشعراء، وتشبيهاتهم، فالشجاع أسد، والجبان نعامة، قال عمران بن حطان في الحجاج: أسدٌ عليَّ وفي الحروبِ نعامة رَبداء تجفل من صفير الصافرِ هلاّ برزتَ إلى غزالة في الوغى بل كان قلبك في جناحي طائرِ ويضربون المثل بالحمار في الذل والصبر ولا يقيم على ضيم يراد به إلا الأذلانِ عَيْرُ القوم والوتدُ ولقبوا آخر خلفاء بني أمية (مروان الحمار) لأنه صبر على مصائب أتته من كل جانب لأنه تولى الحكم بعد خراب مالطة، وترمز العرب للإنسان شديد الإلحاح بالذباب، لأن الذباب كلما طردته عاد، فذاكرته ثانية واحدة، لهذا قالوا: (ألحُّ مِن ذُباب)! أما الثعلب فهو رمز الخداع عند العرب، قال الشاعر: يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب والعقرب رمز لمن يؤذي الناس، ويُعِدُّون لها مايناسبها، قال شاعرهم: إنْ عادتِ العقربُ عُدْنا لها وكانتِ النعل لها حاضرة ويُرمز للحر بالصقر وللمشؤوم بالغراب، أما الذئب فالذاكرة العربية تحتفظ له بالاحتراس والاحترام الممزوج بالهيبة والإقدام رغم أنه يفترس أغنامهم وقد يفترسهم هم.. ولا نعدم من يقول لابنه (كُنْ ذئباً..) ولا خير في ذلك فإن الذئب يأكل حقوق الناس، ولكنهم يبررون ذلك بالقول: (إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب) هذا حين كانت تسود شريعة الغاب. على أن الذئاب فيها خصلة محمودة وهي التعاون، وعدم الصبر على الأذى ، يقول شاعرنا الشعبي: ترى كل طير صيدته قدر همته الحرّ حر والغراب غرابْ الذيب وهو الذيب لي صار مفرد يجرّ العوى حتى تجيه ذياب رجل بلا ربع صبور على الخطا لي صار ماحوله طوال اشناب ومثله قول آخر: الطير ما يكفح بلا جنحان وذيب لحاله ما يسر عواه وقد يتم الرمز بشكل ساخر.. ومقلوب.. مثل قول حميدان الشويعر: المال لو هو عند عَنْزٍ شِيورَتْ وقيل ياام قرين وين المنزل؟ وقوله: لقيت دوا الظما القربه ودوا الحمار القيد