بيت الشّعر عند ساكنته أمتع من قصر ارتباط البدوي بالصحراء عشق لا ينتهي، بجمال رمالها الذهبية، ونجومها المتلألئة الفضية، ففي الصحراء جمال من الصعب نسيانه، حتى لو عاش الإنسان واستبدل التحاف السماء وافتراش الأرض بالعيش في القصور وفي ذلك الكثير من الأدلة في الشعر الفصيح، وصنوه الشعبي، ومنها قصة (لمّة بنت مويسان الشرارية) التي كانت تعيش مع أهلها البدو الرحل الذين لا يقر لهم قرار، يخيلون البرق، ويقطعون الفلوات بحثاً عن الماء والكلأ لمواشيهم، وكانت على شظف العيش والتعب الذي فيه تنعم بالسير في الفضاء والأرض الواسعة بلا قيود، وكان لها قريب يعمل في الكويت، تقدم للزواج بها، فأخذ العريس زوجته وعاد إلى الكويت ليسكنا في حي يدعى (عشيش الكدادية) أحد أحياء الكويت القديمة، ومر بها الوقت لا تبرح مكانها سوى لبيت الجيران ومن ثم العودة لبيتها الموحش وضاق صدرها ولم تطق العيش، ومما زادت حالتها سوءاً رؤيتها للبرق وهو يخترق الغيم ليضيء المكان ويجلب الخير، مما عاد بها لذكرياتها وأهلها وأيامها الخوالي في البادية فأنشدت: ياحلوهم كانهم بالبِرق وانا بعشيش الكداديه وكانهم بخب الجمل من شرق بالمرتكى والقديريه ياحلوهم يوم ينوض البرق وكلن ضربله على نيه وياحلوهم بالبكار الطرق يرعن عذا كل قفريه وانا ممنوعاً علي الطرق ممنوعه مقدر على الجيه ولفرط الشوق في قلبها، وعدم تقبّلها لهذه الحياة الجديدة، فقد اضطر زوجها إلى العودة بها إلى أهلها في صحراء الجوف في مكان يدعى (الطويل) وبقي معها ما يقارب السنة حتى توفيت. ومثلها شلشا البقمية التي عاشت حياة البداوة مع قومها واضطرتها ظروف العيش للاستقرار في الدوادمي فقالت هذه الأبيات متبرمة من حياة الحضارة: لاواهنيك بالهنا ياابو مرداس ماولعوك مدرهمين المطيه القلب كنه يشعرونه بالامواس من طين حضر حجروا به عليه (1) بيد أن هناك شاعرة أخرى تختلف عن وصيفاتها من شاعرات البادية حيث تبدي اطمئنانها لحياة التحضر والاستقرار فتقول: يا ناشد عني تراني تحضريت بين الغضاة وبين جر فرساني محمد حلوان الشراري - محافظة القريات هامش 1- صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار محمد بن بليهد. البِرق: مفرد برقا وهي الأرض بها سمار وبياض. خب الجمل والمرتكى والقديرية: أماكن برية تقع غرب المروت شمال جبل راف. ضربلة: اتجه.