لا أعتقد أن التحديات التي تواجه مجتمعاتنا هي من قبيل التحديات الوهمية، بل هي في حقيقة الأمر تحديات ماثلة أمامنا، وما زالت تتراكم وتتعمق.. العالم اليوم -كما نراه- مسرح للصراع يموج بكثير من الأحداث التي تقوم على الغلبة وتدمير الآخر وتجاوز موروثه الحضاري وحقه في المعتقد الذي يختاره، ومنطقتنا -منطقة الشرق الأوسط- والعالمان الإسلامي والعربي تعيش طرفا من هذا الصراع والأحداث العديدة بحكم كوننا جزءا من هذا العالم المائج بالأحداث، ومع هذا الصراع والأحداث العديدة يعيش العالم اليوم قمة عصر الاتصال الذي جعل كل أجزاء الكرة الأرضية قريبة إلى بعضها قربا لا فكاك معه من التأثير والتأثر، ولذلك فالعالم اليوم أحوج ما يكون لأن يتمثل روح الحوار، لأن الحوار هو البديل العاقل للصراع، ولأن الحوار هو الوسيلة المثلى لتحديد الأهداف الوطنية في هذا العالم المتشابك المصالح، فالإيمان الواعي بالحوار كوسيلة ليس فقط لتوضيح وجهات النظر، وإنما كذلك للسعي الإيجابي لتأكيد الذات والعمل على بلورة الخيار الحضاري وذلك عن طريق التفاعل مع العالم وخصوصا العالم الإسلامي. فالعلاقات الدولية لم تعد مسألة خيار بقدر ما أنها قضية بقاء، فالأمم تلتقي ليس على مصالحها الوطنية فحسب وإنما تلتقي كذلك على هموم البشرية بأسرها، فلم يعد العالم في هذا الوقت سهل الانعزال في أقاليم وأقطار، بل صار شبكة حية تستدعي أدنى وخزة منها استجابة في جزء آخر. وقد شاء الله أن يكون قدرنا هو أن نحمل مع همومنا الوطنية وتطلعاتنا المشروعة هموم منطقتنا بأسرها وهي منطقة استراتيجية ذات أهمية قصوى للعالم بأسره وأن نشارك أكثر من غيرنا في التصدي لمشكلات كثيرة وقد تقبلنا هذا القدر من منطلق معرفتنا بحجمنا الدولي ورغبتنا في أن نكون قوة فعالة في المسرح العالمي كما ينبغي أن نكون. في هذا الإطار يأتي الحديث عن علاقاتنا مع كل أرجاء العالم باعتبارها أحد المحاور المهمة التي من مجموعها تتشكل صورة علاقاتنا الخارجية وهي علاقات تغطي مساحة واسعة من الاهتمامات، دورنا كجزء من الأمة العربية والإسلامية وتوجهنا العقائدي والفكري. فالمملكة منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز كانت تتخذ الموضوعية ومواجهة الحقائق سبيلا للتعامل الدولي مع كل القوى العالمية والإقليمية. وكان التوازن الدقيق الذي أقرته سياسة الملك عبدالعزيز هو أن تحرص الدولة على رعاية مصالحها الوطنية ومكانتها القيادية في العالمين العربي والإسلامي. كان هذا التوازن سمة لسياسة المملكة تجاه القوى الدولية وتجاه العالم الإسلامي، وهي بهذا الفهم استمرار على نفس النهج السابق والثابت في وصل الحوار من أجل مصالحنا لا سيما وهي تأتي اليوم في ظروف تتصاعد فيها الأحداث في منطقتنا مما يستلزم أن نتحرك في كل المجالات وعلى مستوى المحاور، فالواقع يفرض علينا أن يكون تحركنا واسع الأفق وعلى مختلف الأصعدة ومختلف التوجهات، وذلك بالانفتاح الإيجابي على العالمين العربي والإسلامي وعلى العالم أجمع، والسعي العملي لبناء جو من الثقة المتبادلة ومد جسور التفاهم والتعاون على مختلف مستويات المجتمع العربي والإسلامي. إن الحل العملي يكمن في مواجهة صريحة لتحديات واقع حرج، ولا أعتقد أن التحديات التي تواجه مجتمعاتنا هي من قبيل التحديات الوهمية، بل هي في حقيقة الأمر تحديات ماثلة أمامنا، وما زالت تتراكم وتتعمق، ولذلك فإن من الحصافة أن ننفتح على العالمين العربي والإسلامي، بل وعلى العالم أجمع، وأن ندخل في مشروعات حوارية عالمية واسعة، واستقطاب شمولي باعتبارنا أصحاب رسالة تفرض علينا إبلاغ وجهة نظرنا الإسلامية إلى العالم في ظل تدافع مبادرات مذهبية تدفع إلى عزلنا. وهذا يدعونا إلى الخروج من السلبية ومن مألوف التوصيات والقرارات غير الفاعلة إلى الفعل الإيجابي والتحرك العملي من أجل الكسب لصالح الإسلام. فالغرب اليوم يتحكم في آلية التوجيه الديني والحضاري في مقابل استقالتنا عن ميادين الفعل الإيجابي، وأن تلك المبادرات التي يقوم عليها الغرب وبعض الدول لعقد المؤتمرات الدينية وإحياء بعض المذاهب ودعوتهم علماء العالم الإسلامي للالتفاف حولها، وسعيهم لعرقلة الدعوة الإسلامية الصحيحة وصد الناس عنها من طرح تساؤلات وشبهات حولها والتخطيط لإثارة أسباب الصراع بين المذاهب الإسلامية والتي تحمل مقاصد وحاجات سياسية ومبادرات ليست بريئة، يتطلب منا وحدة الموقف ووضوح الرؤية، فنحن أصحاب رسالة ومبادئ تفرض علينا أن نفتح الباب واسعا على الآخر أيا كان، واستيعابه في دورتنا الدينية والحضارية والإنسانية وكل ذلك لا يرجى ثمره إلا بالتحاور والتقارب. فالعقلية الناضجة الواعية تبقى قادرة على الفهم والاستنباط وتنزيل الأحكام خدمة لمصلحة الأمة واستجابة لضغط الواقع الذي يمكن التفاعل معه من دون تقصير أو تفريط، فإبلاغ وجهة نظرنا إلى العالم ضرورة عملية يفرضها الواقع العالمي القائم على الاتصال والتفاعل والاعتماد على المشترك بين الأمم والجماعات.