سوف أقص عليكم قصة عنترة بن شداد من جديد.. سأبحث عن آخر أخبار هذا الفارس وعبلة ومالك وشيبوب.. أبطال القصة القديمة التي قرأناها وسمعناها وضربنا بها الأمثال.. حكاية امتلأت بالفروسية والشجاعة والجمال والوفاء والإخلاص والتضحية والكرم.. عبلة البنت الجميلة التي يتقاتل عليها الفرسان، ووالدها مالك شيخ قومه، وعنترة الفارس المغوار وحامي حمى القبيلة، وشيبوب البائس المسكين الأخ غير الشقيق لعنترة. ما الذي سيحدث لهذه الزمرة من الشخصيات لو أن الله أعادهم إلى الحياة؟ كيف سيجدون أنفسهم في عالمنا اليوم؟ وظيفة مالك شيخ قبيلة. تسعين في المئة من الأمم تخلت عن المفهوم الاجتماعي للقبيلة، وحتى الشعوب التي مازالت القبيلة تشكل فيها جزءا من التركيبة الاجتماعية فقدت وظيفة زعيم القبيلة كثيرا من امتيازاتها التي كانت عليه في ذلك الزمن.. صحيح أن عبلة امرأة جميلة؛ ولكنها امرأة غير متعلمة.. ربما تجد وظيفة عارضة أزياء إذا قدر لها أن تفيق بعد موتها في دولة أوروبية أو أميركا.. أما إذا أفاقت في دولة من دول العالم الثالث فأفضل ما سوف تحصل عليه هو زوج ثري.. عنترة بن شداد وهو بطل القصة وبطل العروبة وأبو الشيم والحكم والشعر وفارس القوم ومجندل الفرسان بكل هذه الامتيازات والمواهب العظيمة أو بسبب هذه المواهب هو أكثر واحد عرضة للبطالة.. لن يجد وظيفة "تؤكله عيش".. لا أحد في عصرنا هذا يحتاج إلى فارس أو رجل يجيد ركوب الخيل أو ينظم الشعر أو يعمل السيف في رقاب الأعداء. قرأنا شيبوب بوصفه الأحط مكانة بين شخصيات قصة عنترة.. لم يكن حرا ولم يكن شكله يشي بالجمال أو بالوسامة ولم يكن فارسا.. كان مجرد شاوٍ يرعى الغنم.. وظيفة هي أوضع الوظائف عند بني عبس وغيرهم.. حتى إن منتجي الأفلام في فيلم عنترة بن شداد جعلوا منه شخصية مضحكة وعلى قدر من السذاجة والخفة.. كل ما كان يتمتع به شيبوب هو سرعة العدو.. كان يسابق الغزلان والضواري ويسبقها.. إذا استيقظ في عصرنا سوف تتقاتل على تجنيسه الدول، سرعته في العدو سوف ترشحه أن يفوز بميدالية ذهبية في الأولمبياد ومنها إلى الشهرة والمال والمجد.. سيصبح شيبوب أهم واحد في المجموعة.. لن يجد عنترة من خيار إذا أراد أن يأكل عيشا ويؤمن دخلا بسيطا يأكل منه إلا أن يؤلف قصائد عصماء في مديح شيبوب.. حتى وإن دخل مسابقة شاعر المليون فلن يفوز بسبب لغته الشعرية المهجورة.. فرق الزمنين لخبط أوراق الأسرة، فعبلة سوف تصرف النظر عن عنترة العاطل.. ستحاول أن تجد طريقها إلى قلب شيبوب.. لن يتردد والدها القبلي المتعصب عن دعمها وتشجيعها لعلها تظفر بقلب بطل الأولمبياد. هذه القراءة السريعة ليست للشخصيات ذاتها؛ ولكنها للقيم الإنسانية المتغيرة على الدوام.. كيف انقبلت المفاهيم والوظائف رأسا على عقب؟ أعلى القوم صار أسفلهم وأسفلهم صار أعلاهم. الدرس في هذا المقال أن مجد الماضي لا مكان له إلا في زمانه.