استوقفتني جملة في مقال حمد الفواز عن تجربة صندوق الاستثمارات العامة، وهي "يقال دائما التوقيت في المال أحيانا كل شيء"، وتذكرت أيضا قراءتي خلال الشهور الماضية لتقرير صندوق النقد الدولي في يونيو 2016 عن اقتصاد المملكة وتعرض فيه للعائدات على الاحتياطيات الأجنبية ولمعدل العائد على الأصول الخارجية للمملكة وتحقيق عائد قدر بنحو 2.7% على الاستثمارات في 2015م، وهو عائد قريب من عائد صندوق الاستثمارات النرويجي حسب إشارة التقرير (صفحة 9 النقطة العاشرة). وتذكرت أيضا بأن أحد المهام الموكلة لصندوق الاستثمارات العامة -حتى من قبل صدور أنظمة التمويل العقاري في العام 2012م- هو إنشاء شركة إعادة تمويل لتزويد القطاع المالي ممثلا في جهات التمويل العقارية بالسيولة اللازمة لتمويل شراء العقارات السكنية للأفراد، وذلك حسب تصريحات وزير المالية السابق في هذا الشأن منذ العام 2009م بإنشاء شركة إعادة تمويل على غرار شركة فاني ماي الأميركية. وحيث يمر القطاع العقاري حاليا بدورة هابطة في الأسعار مما يجعل توفر مساكن للأفراد بأسعار أفضل وفي متناول شرائح أكبر (حتى مع انخفاض دخل بعض موظفي الدولة) أسهل من السابق عندما شهد القطاع العقاري ارتفاعا كبيرا في أسعار الأراضي خلال السنوات القليلة الماضية، ولكن للأسف قد يصطدم ذلك في الفترة القادمة بارتفاع تكلفة التمويل نتيجة ارتفاع مؤشر الإقراض ما بين المصارف بشكل كبير خلال الفترة الماضية والتوقعات باستمرار ارتفاعه خلال الفترة القادمة نتيجة تشديد السياسة النقدية من قبل البنك الفدرالي الأميركي، وتأثير ذلك على السياسة النقدية المحلية نتيجة ارتباط الريال بالدولار إضافة إلى الضغوط المحلية المتمثلة في انخفاض نمو السيولة في النظام المصرفي والتحفظ في الإقراض كنتيجة ذلك. والأمر الذي قد لا يعلم به البعض أن الارتفاع المتوقع في تكلفة التمويل قد يمتص في بعض الحالات معظم الانخفاض في أسعار المساكن خصوصا عند الاقتراض لفترات طويلة ويؤثر أيضا على القدرة الشرائية للأفراد لمساكنهم كما يتضح في المثال أدناه، والذي يعكس أسعار تم التداول بها في السابق فمثلا عند بلوغ سعر شراء مسكن بعد انخفاضه بنحو 28% (نتيجة انخفاض سعر الأرض بنحو 50%) ليصبح في حدود 942 ألف ريال (سعر المسكن في السابق مليون وثلاث مئة ألف ريال) ويرغب المواطن في الحصول على تمويل لشرائه وقد تكون تكلفة التمويل المتوقعة في ذلك التوقيت في حدود 8% سنويا بسعر حقيقي (APR ) بينما كانت في بداية العام الماضي 2015م حوالي 6% سنويا فإن الزيادة المتوقعة في تكلفة التمويل ستكون في حدود 2% وعند الاقتراض لمدة 25 عاما فإن الفرق ما بين تكلفة التمويل المتوقعة والسابقة سيكون بحدود 305 آلاف ريال أو حوالي 32% من قيمة المنزل المراد شراؤه! وبمعني آخر فإن الانخفاض في أسعار الأراضي بنحو 50% والانعكاس المتوقع لذلك على سعر الوحدة السكنية بانخفاض سعرها الإجمالي (أرض ومباني) لن يتم التمتع بها بشكل كامل لمن يرغب في شراء المسكن عن طريق التمويل حيث أن المحصلة النهائية في الانخفاض في سعر شراء الوحدة السكنية (بحوالي 357 ألف ريال) يقابلها زيادة في تكلفة التمويل المتوقعة (بحوالي 305 آلاف ريال) وبالتالي سيؤثر أيضا في قدرة المواطنين على التأهل في الحصول على تمويل وبالتالي القدرة الشرائية!. فعند حدود تكلفة تمويل 6% كان بإمكان أصحاب الدخل الشهري بواقع 10 آلاف ريال التأهل للحصول على تمويل بشراء الوحدة السكنية بالأسعار المتوقعة بعد الانخفاض بينما يتطلب الوضع المتوقع في حال بلوغ تكلفة التمويل 8% حتى يتم التأهل لشراء مسكن حوالي دخل شهري بواقع 12 ألف ريال لشراء الوحدة السكنية! إذن ماهي الحلول المقترحة؟ نعود لموضوع التوقيت وأعتقد أن التوقيت الحالي هو أفضل توقيت لصندوق الإستثمارات العامة في الشروع في استثمارات توفر سيولة لقطاع التمويل العقاري واشتراط مثلا في حال توفير السيولة بعائد 3% سنويا أن لايزيد هامش الممول عن 1% بحد أقصى وتوفير تكلفة تمويل ثابتة تحقق الاستقرار المالي للمواطنين وتعوض النقص في الدخل وتحقق عائدا على الصندوق أفضل من متوسط عوائد الاحتياطيات التي تحققها الدولة حاليا. وفي المثال السابق في مثل هذا السيناريو سيسمح بتخفيض تكلفة التمويل بحوالي 615 ألف ريال على المواطن خلال مدة التمويل أو حوالي 2,000 ريال شهريا وتسمح له بالاستفادة من الانخفاض في أسعار العقارات وتزيد القدرة الشرائية لشريحة كبيرة تبدأ من شريحة الدخل الشهري بواقع 8 آلاف ريال! يمكن الاستفادة من الأوضاع الحالية وتحقيق مكاسب لأطراف عديدة وتكامل للجهود الحكومية والأهم توفير بدائل عملية للمواطنين في الحصول على تمويل بتكلفة معقولة ويحقق إستقرار مالي ويزيد من القدرة الشرائية لشريحة كبيرة والاستقادة القصوى من انخفاض أسعار العقارات السكنية وتحقيق عائد على الاستثمار أفضل من المعدلات الماضية، وكذلك تنويع الاستثمارات وهي من نوع استثمارات الدخل الثابت طويل الأجل والله الموفق. * الرئيس التنفيذي لدار التمليك للتمويل العقاري