تعرض برنامج القرض المعجل لهجوم وانتقادات غير مسبوقة وغير مبررة وتم الاجتهاد في حساب تكلفة التمويل بعدة طرق مقارنة بالقرض الحسن (المجاني) الذي يقدمه الصندوق العقاري وتم انتقاد توقيت طرحه وتوافقه مع أحكام الشريعة وخلافه. وبصفتي مختصا في قطاع التمويل العقاري أود أن أوضح بعض الحقائق الهامة للمواطن لتساعده في اتخاذ قراره بخصوص الاستفادة من القرض المعجل أو الانتظار لحين الحصول على القرض الحسن. وحتى يتم اتخاذ قرار في هذا الشأن لا بد من دراسة كافة الخيارات المتاحة أمام المواطن وفي هذه الحالة توجد ثلاثة احتمالات وهي على النحو التالي: 1- مواطن يملك مسكنا ويرغب في الاستفادة من ميزة القرض الحسن. 2- مواطن لا يملك مسكنا ولا يرغب في تحمل أي تكاليف تمويلية ويقتصر طلبه على القرض الحسن. 3- مواطن لا يملك مسكنا ويرغب في الاستفادة من تسهيلات الصندوق في شراء أو بناء مسكن. أما الحالة الأولى والثانية فمن الواضح أن المواطن سوف يقوم بالانتظار لأنه يرغب فقط في الاستفادة من القرض الحسن الذي يقدمه الصندوق. وأما الحالة الثالثة فالمواطن لا يملك مسكنا ففي الأغلب أنه مستأجر حاليا وهذا يتطلب دراسة الوضع المالي لهذا المواطن بشكل دقيق لمعرفة هل القرض المعجل خيار أفضل أم الانتظار للقرض الحسن هو الخيار الأمثل ولمعرفة ذلك لابد من مقارنة تكلفة القرض المعجل بتكلفة الإيجار حتى تكون المقارنة صحيحة. وسأقوم بطرح مثال لوحدة سكنية حقيقية في الرياض حتى تتضح الصورة بشكل أفضل، ولابد من الأخذ في الاعتبار أن المقارنة لابد أن تقتصر في نفس الوحدة السكنية في حال شرائها أو إيجارها حتى تكون المقارنة صحيحة أو يمكن مقارنة وحدة مماثلة ولكن لا يمكن مقارنة مثلا إيجار شقة بشراء فيلا فهذه المقارنة غير صحيحة! فعند إيجار شقة جديدة في الرياض تبلغ مسطحات المباني فيها حوالي 145 مترا مربعا في موقع جيد وبها كافة الخدمات ومن ضمنها غرفة خادمة بدورة مياه وموقف سيارة ومصعد وأربع غرف وصالة وثلاث دورات مياه فإن أقل متوسط إيجار يصل لحوالي 28 الف ريال في السنة بينما شراؤها يكون بحوالي 560 الف ريال. عند دراسة شراء هذه الشقة بدلا من إيجارها خصوصا في حال كون فترة انتظار المواطن حتى حصوله على قرض الصندوق المجاني حوالي عشر سنوات أي أن البديل أن يستأجر هذه الشقة لمدة عشر سنوات وبناء عليه ستكون تكلفة الإيجار خلال هذه الفترة حوالي 280 الف ريال بافتراض متوسط إيجار حوالي 5% من قيمة الشقة خلال فترة العشر سنوات (باعتبار أن الإيجار ستكون نسبته أعلى في السنوات الأولى ومن ثم قد تنخفض في السنوات الأخيرة). بينما حسب المعلومات المتوفرة عن القرض المعجل فإنه يمكن للمواطن استخدام القرض المعجل وبافتراض أن تكلفة التمويل الثابتة للقرض المعجل في عشر سنوات هي 2.5% بالعام فإن إجمالي التكلفة التي سيتكبدها المواطن خلال عشر سنوات هي 125 الف ريال (500 الف *2.5%*10 سنوات) كما أنه لابد من الأخذ في الاعتبار أن القسط للقرض المعجل حسب إعلان الصندوق العقاري هو في حدود 4166 ريالا شهريا لفترة تمويل عشر سنوات أي أقل من 30% تقريبا من دخل المواطن البالغ 15 الف ريال وهو الحد الأدنى من الدخل الشهري المستهدف من قبل الصندوق لهذه الشريحة. وبافتراض ثبات تكلفة البناء وانخفاض أسعار الأراضي خلال فترة التمويل وهي عشر سنوات وهو أمر متوقع - وقد يكون هذا السبب الرئيسي في مهاجمة القرض المعجل وهو الرغبة في إيقاف الطلب لحين تحقق الانخفاض في أسعار الأراضي- وحتى يتمكن المواطن من دراسة هذا الاحتمال الوارد فإن نسبة تكلفة الأرض لهذه الوحدة السكنية في هذا المثال تبلغ 49% من إجمالي قيمة الوحدة السكنية أو 275 الف ريال من إجمالي تكلفة 560 الف ريال، وهي من أعلى النسب في هذا النوع من الوحدات السكنية (الشقق) - تتراوح نسبة تكلفة الأرض في الشقة السكنية في العادة ما بين 30%-45% حسب موقع الأرض وعدد الشقق في المبني وجودة التشطيبات وتوفر الخدمات - وبالتالي عند دراسة أثر ذلك نجد أن انخفاض في قيمة الأرض الخاصة بهذه الوحدة السكنية حتى إذا بلغ حوالي 30% يمكن أن يؤدي إلى أن ينخفض سعر الوحدة السكنية الى 477 الف ريال بدلا من سعرها الحالي البالغ 560 الف ريال أي تحقيق وفرة مالية بواقع 83 الف ريال تقريبا. إذاً يمكن للمواطن اتخاذ قرار باستخدام القرض المعجل حسب وضعه المالي وتحقيق وفرة مالية بحوالي 155 الف ريال خلال عشر سنوات مقارنة بالإيجار أو الانتظار لحين انخفاض سعر الأرض وتوفر وحدة سكنية معروضة وتوفر تمويل بتكلفة مماثلة وتحقيق وفرة مالية بحوالي 83 الف ريال نتيجة انخفاض سعر الأرض. ويمكن تطبيق هذا المثال على أي وحدة سكنية وقيام المواطن بتحليل وضعه المالي واتخاذ قرار بناء على ذلك. وتجدر الإشارة الى أنه في حال تحقق انخفاض في أسعار الأراضي خلال الفترة المقبلة وتوفر فرص سكنية أمام المواطن فإنه يحتاج لتوفر تمويل جاهز لاقتناص هذه الفرصة وهذا ما يوفره أيضا القرض المعجل أما الانتظار حتى يصل الدور في الصندوق العقاري للحصول على القرض الحسن قد يعرض المواطن لتقلبات أسعار الوحدات السكنية والمعروض السكني عموما في ذلك التوقيت وظروف كل مواطن ومقدار ما يستهلكه الإيجار من دخله خلال فترة الانتظار. كما يجب الإشارة الى أن القرض المعجل يحتوي على تأمين تكافلي ضد الوفاة وهو الأمر الذي يوفر حماية إضافية للأسرة لا توفره البدائل الأخرى مثل الإيجار وتشمل تكلفة التمويل تكلفة توفير الغطاء التأميني. ولابد من التذكير أيضا أن أنظمة التمويل العقاري نصت على وجوب أن تكون كافة برامج التمويل العقاري متوافقة مع الشريعة وموافقة الهيئة الشرعية عليها. وختاما القرض المعجل هو قرض اختياري غير ملزم ويجب شكر الصندوق على جهوده في تنويع الخيارات أمام المواطن والتفاوض مع البنوك والحصول على شروط مميزة وأسعار تنافسية مقارنة ببرامج التمويل الأخرى، ولابد من التذكير بأن الصندوق جهة تمويل وبرامج التمويل هي من صميم عمله وقد هللنا كثيرا لتحويل الصندوق إلى مؤسسة مالية وعند خروجه ببرنامج تمويل جديد موجه لشريحة محددة تم انتقاده بشكل غير منصف وغير عادل وقد يؤدي الى إبطاء أو تأجيل أي مبادرات أخرى يرغب بالقيام بها في المستقبل. نعم ان انخفاض أسعار الأراضي سيساهم في التعامل مع قضية الإسكان بشكل أفضل ولكن لا يمكن إيقاف كافة الأنشطة أو تجميدها حتى يتحقق ذلك والأهم أنه في حال عدم توفر معروض سكني حتى في حال انخفاض أسعار الأراضي فإن ذلك لن يساهم في حينه بالقدر المأمول في تحسن وضع الإسكان بشكل عام، ولابد من الدعوة لتكامل الحلول وتناغمها والتعامل مع الشرائح المختلفة حسب احتياجاتها وتوجيه البرامج المناسبة لكل شريحة وهذا ما قام به الصندوق في القرض المعجل وهو ما يجب أن يشكر عليه! * الرئيس التنفيذي لدار التمليك للتمويل العقاري