احتفلت "قناة الجزيرة" قبل أيام، بمرور 20 عاما على تأسيسها، والتي عملت طوال هذه السنوات لتكون عنصرا مهما في الصناعة الصحافية في المنطقة، ولا يمكن لمهتم أو خبير أن يقلل من الأدوار التي لعبتها القناة، سواء فيما يتعلق بإثراء القطاع، أو من خلال خلق بيئة تنافسية، وكل هذا واضح ومعلوم للراصدين. هذه المناسبة، دفعتني بأن أمر سريعا على بعض الزوايا "التشخيصية"، من وجهة نظري الشخصية، وهذا قد لا يروق لبعض الأمزجة، بمختلف المنطلقات، ولكني تعودت المرور عبر مناطق الألغام، وخاصة فيما يتعلق بالعمل الاتصالي، لأنني مهتم برصد المشهد، سواء كان مرئيا أو ورقيا أو إلكترونيا، أو غير ذلك. لمن لا يعرف، هناك ظروف ساهمت في بناء "الجزيرة"، هي كثيرة ومتعددة، ولكن اللافت بالنسبة لي، وهو أمر مهم من الجانب الصحفي، أن فترة التحضير لإطلاق القناة صادفت أن أغلقت قناة "بي بي سي العربية" وسرحت موظفيها، فعملت الأولى على استقطاب المميزين منهم، وبلغ عددهم آنذاك نحو 30 صحفيا وفنيا، وهذا مرصود من قبل بعض التقارير الصحفية. في الحقيقة، ما لا أفهمه، وتحديدا في الآونة الأخيرة، تخلي القناة عن خطها التي طالما راهنت عليه، وصارت تلاحق خطوطا منافسة، ولست متأكدا إذا ما كان ذلك من قناعة تنافسية، أو مجرد محاولة لتقديم ما لدى الآخر، وهو ما لا يستوعب المشاهد التقليدي، وإنما المهتم بالصناعة، والمراقب للتحولات. وحتى أكون مباشرا، من المستغرب -لدي على أقل تقدير- هو المحاكاة الكلية لبعض البرامج الأخرى، فنرى مثلا برنامج "هذا الصباح"، الذي انطلق 2016، يشبه "صباح العربية" على "قناة العربية"، الذي يبث منذ 2005، والتشابه ليس بالاسم، وإلا لما توقفت عنده، وإنما يشمل المحتوى والديكور والتوجه، وحتى شريحة الاستهداف.. مثال آخر، برنامج "نشرتكم"، المولود في نوفمبر 2016، الذي يلاحق "تفاعلكم" على "العربية"، ابن فبراير 2016، والذي يشبه حتى طريقة الشعار، والتوقيت تقريبا، والاستخدام الرقمي، بكل "فورماته". مرة أخرى، وهذا التنويه واجب للوضوح، الحديث هنا عن "الجزيرة" فقط، وليس سردا للمقارنة، حتى لا يحاول صائدو العثرات الحصول على مبررات تدين المنطلقات، والسبب باختصار هو احتفال الزميلة "الجزيرة" ب20 عاما، وأعلم تماما صدر الزملاء في القناة رحب لاستقبال الانتقاد، لأنه سلاحهم الدائم. من زاوية أخرى، وهذه للتاريخ، واستجابة للشعار الذي تردده القناة، "ثابتون على مواقفنا"، فإني أعتب عليهم عدم إيضاحهم للمشاهد التجديد في الخطاب، وهو ما أعتبره -شخصياً- عدم ثبات، فالموقف من "نصر الله" مثلا، ليس كما كان، بل يجب ألا نتجاهل أنها كانت منبرا لكل من بشار، الحكومة الإيرانية، حزب الله، القاعدة، وهو رصد للتاريخ لا المحاسبة، لكنه يوضح أن المواقف لم تثبت.. ولم يشرح التغيير أيضا! أخيراً.. أو المثال الأخير، يكمن في التشابه الكبير بين برنامج "العربية": DNA، الذي رأى النور 2015، مع "فوق السلطة" عبر "الجزيرة" المبث في 2016.. وهنا تحديداً أدعوكم لزيارة "يوتيوب" لعقد المقارنات. وأتمنى ل"الجزيرة" النجاح في المرحلة المقبلة، وأن تكون أكثر تفهماً لاحتياجات المرحلة.. وشروط المشاهد! والسلام.. [email protected]