اللؤم يجمع كل صفة ذميمة، وأخلاق دنيئة، محله النفوس المريضة يطبع عليها أقبح الأفعال وأوضع الخصال من حيل ومكايد، وتذلل وغدر؛ ونكران وجحود، ويسلك بها مسالك الأنانية.. فلا تفرق بين الوضاعة والشرف ولا الخسة والعفة، والعرب ينفرون من اللئيم كما ينفر الصحيح السليم من المريض الأجرب ويحذرون من مخالطته ومعاملته؛ لأن أخلاقه الدنيئة تتعارض مع كرم أخلاقهم ومروءتهم -ولا يجتمع الأضداد- وإن قدر الله لها ذلك فلن تستمر. قال الجاحظ: (من صفة اللئيم: أن يظلم الضعيف، ويظلم نفسه للقوي، ويقتل الصريع، ويجهز على الجريح، ويطلب الهارب، ويهرب من الطالب، ولا يطلب من الطوائل إلا ما لا خطار فيه، ولا يتكبر إلا حيث لا ترجع مضرته عليه، ولا يقفو التقية ولا المروءة، ولا يعمل على حقيقته).. وكل صفة ذميمة تجدها في خلق اللئيم ثابتة تظهر مع الأيام وتثبتها المواقف، فهو منهجه الذي بنى عليه خططه في الحياة وسلاحه الذي لا يجيد استخدام غيره في مناوراته و مواجهاته، ولما لهذا السلوك المنحرف من تأثير سلبي على العلاقات بين الناس، ونتائجه الهدامة من فقد الثقة والتباغض والتنافر وقد تصل إلى القطيعة التي تفرض على اللئيم العزلة التي صنعتها نفسه الخبيثة مع منهم على شاكلته.. يبيت الدسائس والتآمر على من حوله معينا عليهم مضحيا بكل روابط الدين والأخلاق في سبيل الانتقام والتشفي حسدا للكريم لما هو عليه من مجد وكرامة وعزة وإباء، يتوسط الجمع ويتقدم الصفوف ينزل ضيفا مبجلا هامته تعانق السماء رفعة وشرفا تشرئب له الأعناق وتشخص إليه الأبصار، ينزل معه الخير حيث ما نزل وكأنه المزن، يحفظ دينه ويعتز بأمته يجبر عثراتها، ويمسح عبراتها، ويغيث الملهوف، وينصف المظلوم، وينصر المغلوب فوسع الله عليه من خيره، وأصلح له الطوية، لا يخشى إلا الله ولا يلجأ إلا إليه سبحانه وتعالى. حالة الكريم الرضا والطمأنينة بين الكرام، وحال اللئيم الذل بين الأنام، يخاف نوازل الأيام وطوارق الليالي، حاضره عُسر ومستقبله شر، يجر أذيال الخزي والعار في كل مناسبة، وتضيق عليه دائرة الخلاص، بعد أن كشف الله زيفه، وخلعت الأيام قناعه لم تعد تنطلي على الناس حيله ولا أحد يصدق أكاذيبه. يحصد حرث الغدر ويجني ثمار اللؤم، فيرى نجاته مع شرار الناس أمثاله، واليوم لم تعد أفعال اللئام سرًا فنحن في زمن العالم قرية صغيرة، وأصبحت نتائجها تطفو على السطح وتظهر على أرض الواقع.. من فبرك الخدع واشتغل بتدبير المكائد فسيلقى نتائج أفعاله التي تورده المهالك بإذن الله، وهذا حال عبد الدرهم والدينار وما يبنى على باطل فهو باطل. وفي حكاية الفارس العربي مع الرجل التائه في الصحراء عند ما طلب منه أن يسقيه الماء ففعل، ثم عرض عليه الفارس أن يركب معه إلى حيث يجد السكن، فتظاهر الرجل بعدم القدرة على الصعود وهو يقول: أنا لست بفارس.. فأنا فلاح لم أعتد ركوب الخيل. فنزل الفارس وساعده على الصعود.. ولما تمكن اللص اللئيم من الفرس نكزها وانطلق هاربا.. فصرخ الفارس "اسمعني يا هذا...؟ وعندها شعر اللص بأن نداء الفارس مختلف عن غيره ممن يستجدون عطفه.. فقال له من بعيد.. ما بك؟ فقال الفارس لا تخبر أحدا بما فعلت رجاءً.. فقال اللص: أتخاف على سمعتك وأنت تموت؟ فرد الفارس: لا.. ولكن أخشى أن تنقطع المروءة عند العرب؛ وأن ينقطع الخير بين الناس".. هكذا أخلاق اللئام تخرم المروءة وتقطع الخير بين الناس.