لا حديث للعالم اليوم سوى معرفة الرئيس القادم ولا توجد متابعة إعلامية ضخمة كتلك التي تحظى بها الانتخابات الأميركية التي حمى وطيسها وبات يترقب الجميع من يصل البيت الأبيض السيدة هيلاري كلينتون أم رجل الاعمال دونالد ترامب. لم نعد نعلم من كثرة الوعود والتناقضات من هو المناسب او من نتمنى فعلا ان يأتي، ومع ذلك لا يمكن التعويل على ما يصدر من المرشحين حول السياسة الخارجية خلال فترة الانتخابات لأنها معركة انتخابية في المقام الاول سرعان ما تتغير المواقف وفقا للمصالح العليا بمجرد دخول المرشح البيت الابيض. نظريا وتاريخيا نعرف أن الديمقراطيين هم الأقرب للشرق الأوسط وأكثر تفهما لقضايانا، فهم ينزعون الى المثالية في تحقيق الأهداف، أي احترام الشرعية ومبادئ القانون الدولي، وحل الصراعات بالطرق السلمية وعدم تشجيع التسلح، بينما نلحظ ان الحزب الجمهوري يرتكز على الواقعية السياسية من اجل حفظ المصالح الوطنية، وهذا يعني استخدام كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة، ويؤمن بالقوة العسكرية لحماية مصالحه الحيوية. حجم التحديات والمخاطر التي تواجهها دول الخليج هو بالتأكيد ما يدفعها لمطالبة واشنطن بإعادة صياغة سياساتها وترتيب أولوياتها بما يحقق أمن واستقرار دول المنطقة.. يذكرنا حال الولاياتالمتحدة اليوم ببريطانيا الامس عندما فقدت إمبراطوريتها وتلاشت هيمنتها بعدما كانت ملء السمع والبصر. هناك من يرى ان نفوذ واشنطن سيتوارى عن الساحة خلال عقدين من الزمن وفي هذا بعض الصحة، انما الأكثر صحة هو ان الدور الأميركي ونفوذه قد تراجعا بشكل مريع في منطقتنا لا سيما في ظل تحولات تدفع باتجاه عالم متعدد الأقطاب بعودة روسيا وبداية دخول أعضاء جدد في النادي العالمي المهيب أمثال الصين والهند والبرازيل والتي شرعت تلعب في ساحات وتقتسم منها ما تستطيع بعدما كانت محتكرة للنفوذ الأميركي اقتصاديا وسياسيا. المتابع للتعاطي الاميركي مع قضايا المنطقة يصل لقناعة بأن رهاناتها قد فشلت من دعمها للإخوان المسلمين الى تلاشي عملية السلام مرورا بتقاعسها في حسم الملف السوري وانتهاء بتهافتها لإيران في ملفها النووي، ناهيك عن وعود الرئيس اوباما التي تعهد بتنفيذها في خطابه للعالم الإسلامي حيث تبين انه خطاب علاقات عامة لم يستطع ترجمة أي من مضامينه على ارض الواقع. يغادر أوباما البيت الأبيض بعدما كان تردده أحد أسباب فشل السياسة الأميركية في المنطقة، كإخفاقه في عملية إحلال السلام في الشرق الأوسط. لاحظ علاقة واشنطن مع السعودية على سبيل المثال تعيش وضعا ليس جيدا فهناك بعض المنغصات وسوء فهم ازاء بعض الملفات سواء من الإدارة الأمريكية أو من الكونغرس. الشعور بأفول عصرها عن المنطقة وبنهاية هيمنتها الأحادية ينطلق من حيثيات منطقية تتمثل في بروز مواقف سياسية لحلفائها بشكل مستقل لاسيما في اتخاذ قرارات مهمة كالحروب وغيرها، ولعل عاصفة الحزم مثال حي لهكذا قرار، فضلا عن تراجع الاقتصاد الأميركي مقابل صعود اقتصاديات دول البريكس. أضف الى ذلك ظهور رأي عام في المنطقة إزاء السياسة الأميركية وتخبطها ولومها على الانفتاح مع إيران وكأنها تكافئها على دعمها للإرهاب بدليل انه تزامن مع إقرار قانون "جاستا" رفع واشنطن تجميدها عن الأموال الإيرانية. خلال الاربع السنوات الماضية كانت السياسة الأميركية الخارجية متأرجحة ونزعت الى الغموض، ألم يؤكد الرئيس أوباما غير مرة ضرورة الانتقال الى منطقة أخرى أكثر أهمية من منطقتنا ويقصد بذلك منطقة آسيا الباسيفيك لمواجهة الصين، وانه لا يرغب في حل النزاعات عسكريا. تزامن هذا التحول مع صعوبة اتفاق الدول المؤثرة على تشكيل واقع اقليمي جديد لاختلاف أجنداتها. ما بعد الغزل الأميركي لإيران وقانون جاستا من حقنا ان نتساءل: هل لدى دول الخليج أوراق ضغط كفيلة بتصويب مسار العلاقة ام ان الامر قد حسم فعلا؟ وهل ستفرط واشنطن في علاقة استراتيجية تجاوزت الثمانية عقود مع حليفاتها ام انه نهج مؤسسي جديد يرتبط بالمصالح العليا الأميركية بغض النظر عمن يكون في البيت الأبيض؟ وهل العلاقة البراجماتية المرتبطة بالمصالح المتبادلة والتي انقذتها في مراحل سابقة قادرة على ان تعيدها الأمور لنصابها؟ لا ندري حقيقة رغم كل الطروحات والآراء التي تقف مع هذا الطرف او ذاك. هناك من يقول انها سحابة عابرة لا تلبث ان تتلاشى والبعض الآخر يصر ان الأمور قد تغيرت ولم تعد اميركا اليوم هي التي كنا نعرفها وان علينا التهيؤ لذلك. يجب ان نعترف اولا اننا مقصرون في جانب التأثير والتواجد واختراق العمق الاميركي من خلال زرع لوبيات خليجية وفتح قنوات تواصل دائمة عبر الدبلوماسية الشعبية من زيارات ومشاركات وملتقيات..الخ. حجم التحديات والمخاطر التي تواجهها دول الخليج هو بالتأكيد ما يدفعها لمطالبة واشنطن بإعادة صياغة سياساتها وترتيب اولوياتها بما يحقق امن واستقرار دول المنطقة. صفوة القول: منطقتنا بحاجة إلى قراءة اميركية جديدة لان هناك من يرى ان الحقبة الأميركية في الشرق الأوسط قد شارفت على الانتهاء بسبب فشل سياساتها الخارجية بدليل تشكل عهد جديد للمنطقة يحدده فاعلون جدد وقوى جديدة تتنافس على النفوذ والهيمنة.