الحقيقة ان مجمل القصة يقول ان الولاياتالمتحدة تخلت عن وعودها التي تعهدت بها لدول الخليج وفي مقدمتها السعودية، بدليل ان رؤية الدولتين للملفات في المنطقة اصبحت متباينة بشكل معلن ما يعقد عودة العلاقات الى حيويتها السابقة لم يكن حديث وسائل الإعلام العربية والغربية في الآونة الأخيرة، سوى تناول المواقف السياسية الأخيرة للسعودية وطبيعة علاقتها مع واشنطن فضلا عن التقارب الإيراني - الأمريكي وانعكاس ذلك على دول الخليج. حديث الساعة لم يأت من فراغ بل كما يبدو انه جاء نتيجة لتراكمات لم تلبث ان طفت على السطح. كان موقف السعودية مثلا من مجلس الامن رسالة احتجاج لدوره العاجز عن تحمل مسؤولياته وفضحاً للخلل البنيوي في النظام العالمي، إضافة الى كونها رسالة سياسية وبامتياز للدول الاعضاء التي غلبت مصالحها الفئوية على المبادئ ومواثيق حقوق الانسان وفي مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية. على ان بعض التسريبات الإعلامية لرويترز إن صحت حول تصريح الأمير بندر بن سلطان، وكذلك تعليقات الأمير تركي الفيصل في مؤتمر بواشنطن والتي انتقد فيها السياسة الأمريكية بشدة فضلا عن تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بعد لقائه الأمير سعود الفيصل في باريس حول طبيعة العلاقة مع السعودية، كلها أعطت انطباعا بأن العلاقات ما بين الرياضوواشنطن لا تعيش أفضل حالاتها. ولكن ما الذي حدث حقيقة لتصل الأمور الى ما وصلت اليه؟ الحقيقة ان مجمل القصة يقول ان الولاياتالمتحدة تخلت عن وعودها التي تعهدت بها لدول الخليج وفي مقدمتها السعودية، بدليل ان رؤية الدولتين للملفات في المنطقة اصبحت متباينة بشكل معلن ما يعقد عودة العلاقات الى حيويتها السابقة. وهذا يدفعنا بطبيعة الحال لطرح تساؤلات مشروعة: فهل العلاقات السعودية - الأمريكية تتجه نحو الانهيار، ام ان العلاقة البراجماتية المرتبطة بالمصالح المتبادلة والتي انقذتها في مراحل سابقة قادرة على ان تعيدها الى وضعها الطبيعي؟ وهل لدى السعودية أوراق ضغط كفيلة بتصويب مسار العلاقة؟ وهل ستفرط واشنطن في علاقة استراتيجية تجاوزت الثمانية عقود مع حليفتها، ام أنها سحابة عابرة لا تلبث ان تتلاشى؟ قد لا نملك إجابة قاطعة هنا ولكن يبدو ان كل الخيارات مفتوحة وبرغم حاجة البلدين لبعضهما البعض الا ان حجم التحديات والمخاطر التي تواجهها دول الخليج هو بالتأكيد ما يدفع الرياض لمطالبة واشنطن بإعادة صياغة سياساتها في المنطقة. ولم يعد سراً ان السياسة الاميركية خلال الثلاث سنوات الماضية كانت من الضبابية والغموض لدرجة انها أربكت المشهد السياسي وهو ما نتج عنه ارسال إشارات ليست بالضرورة صحيحة الى حلفائها وأعدائها على حد سواء، ما يعني دخول المنطقة في حالة من عدم الاستقرار. فالسياسة الاميركية بعد ان سلمت العراق وأفغانستان على طبق من ذهب لإيران، ارتكبت أخطاء جديدة وجسيمة ما جعل حلفاءها يشعرون بخيبة امل كبيرة جراء تعاطيها مع الملف الفلسطيني والسوري والإيراني ناهيك عن موقفها المشين من البحرين ودعمها للإخوان في مصر ثم فرض عقوبات عسكرية عليها. ولعل المثير للدهشة هو في تراجع الإدارة الاميركية وخذلانها للشعب والمعارضة السورية في ظل حضور طاغ للدبلوماسية الروسية التي فرضت شروطها على البيت الأبيض. فهل واشنطن لم تعد قادرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب؟ ربما ومع ذلك فهي لديها حسابات ومصالح هنا وهناك، ومع هذه الدولة او تلك وإن كان هذا من حقها. غير ان القرار السياسي له تداعياته السلبية إذا لم يدرس توقيته بعناية، وهذا ما يبدو انه مكمن الخلل. نحن نعلم ان الرئيس أوباما لا يرغب في الدخول في حروب خلال ولايته وسبق ان صرح في بداية رئاسته الى ضرورة الانتقال الى منطقة أخرى أكثر أهمية ونعني بذلك الصين والمحيط الهادي، بعبارة أخرى ان منطقتنا لم تعد لها الأولوية كما كانت. وعلى اعتبار صحة هذه الرؤية بدليل تخبطات قراراته في الآونة الأخيرة الا انها اصابت أصدقاءها بحالة من الدهشة والارتباك. ولم يتوقف المشهد عند هذا الحد بل فاجأ الجميع بإلغاء الضربة العسكرية وتسليم الملف السوري للروس ثم دخل في خطوة أكثر غرابة وذلك بتهافته لايران واندفاعه غير المبرر، فاتحا الباب لصفقة معها ولعل اولى ثمارها تخفيف العقوبات عليها. ورغم كل ذلك اتهم البعض السعودية بأنها غير محقة في انزعاجها من واشنطن وأنها تريد منها ان تفعل كل شيء دون ان تقدم السعودية شيئاً. وهذه قراءة خاطئة فالسعودية دولة ليست هامشية او احدى جمهوريات الموز فهي لها ثقلها السياسي والاقتصادي وعمقها العربي والإسلامي وتملك قرارها السيادي، وبالتالي من حقها ان تعلن صراحة عن مواقفها السياسية بما يخدم مصالحها ويحمي أمنها واستقرارها.. السعودية تريد من واشنطن ان تدرك حجم التحديات والمخاطر في المنطقة، فعلى سبيل المثال إدارة أوباما لم تفعل شيئا يذكر إزاء النزاع العربي الإسرائيلي رغم وعودها ولم تلعب دوراً محايدا بل منحازا لإسرائيل ما فاقم الإرهاب وكراهيتها في المنطقة. اما انفتاحها على ايران فهو قد يبعد شبح الحرب في المنطقة وهو ما يأمله الخليجيون ولكن ان يتم التقارب بين طهرانوواشنطن دون التزام ايران بمعالجة اخطائها فهذا امر مقلق للخليجيين لا سيما وان اميركا تعلم علاقة إيران بالإرهاب والقاعدة فضلا عن سياستها التوسيعية التي تدخلت في شؤون دول الجوار عبر حركات وأحزاب وجواسيس، ناهيك عن برنامجها النووي الغامض الذي يبدو انه في مراحله الأخيرة، ومن السذاجة ان تعتقد واشنطن ان لغة الرئيس روحاني الناعمة قد تغير شيئا في المشهد السياسي لان العبرة بالأفعال وليس بالأقوال، فهل يا ترى ان ثمة صفقة تلوح في الأفق او بعبارة أخرى ان تكون هناك مرونة أمريكية تجاه النووي الإيراني مقابل استغلال نفوذ إيران في سوريا ولبنان والعراق وأفغانستان؟ يبدو ذلك. وما سيجعل الامر مثيرا للسخرية والاشمئزاز ان يأتي كل ذلك على حساب مصالح دول الخليج وأمنها واستقراراها.