يقول شكسبير في مسرحية هاملت: "لابد أن أكون قاسياً، فقط لأكون حنوناً". هذه القسوة الرقيقة قد يتبع منهجها الكُتاب، فالكتابة سلطة لا يمكن الاستهانة بها وهي تجربة تصنع شكلا آخر للإنسان وتؤثر في آخرين، وهي بمثابة الأداة التي تضع أبعادا لكل ما يحيط بنا وتفسر ما جهلناه أو توجسنا منه، إلا أننا في عالمنا العربي مازلنا نتأرجح في عالم الكتابة المحكومة بقوانين ومحاطة بأطر تتناسب والمؤسسة التابعة لها،أن نكون مستنسخين ككتاب نتشابه في الطرح والأفكار معناه أن ناقوس الخطر يدق حيث إن فضاء الكتابة لم يعد يتسع لأفكارنا وثمة شيء يعيق نموها ويخنقها، والكاتب لا تزدهر كلماته وأفكاره وتتضح رؤاه إلا في بيئة صحية تصوغها مجموعة من التجارب الصغيرة المتراكمة التي تنامت عبر الزمن وشكّلها الاحتكاك بالآخرين، وأنضجتها مساحة الحرية الفكرية، وفي دنيانا الجديدة عندما نعلن الانتماء إلى فضاء الآخرين تتجلى لنا صورة تفتح ستائرها عن نوافذ المحدودية، إلى أفق بلا اعتذار وبلا ترتيب مسبق للكلمات. يقول الشاعر الألماني هاينه: "إن الأفكار الفلسفية التي يطرحها أستاذ من مكتبه الهادئ قادرة علي إبادة حضارة بكاملها". توجب هذه العبارة الحذر من مغبة الاستخفاف بسلطة الأفكار والكلمات وسيادتها، فالأفكار والكلمات عالم مدهش ومليء بالدلالات والاستنباطات، وهي مثل الألعاب مثيرة وممتعة ولكنها جدية. وفي سوق الكتابة تتنوع البضاعة "الكِتَابة" ويختلف التجار "الكُتّاب" والكل يطرح بضاعته على حسب ذائقته وخلفيته الثقافية، معتقداته وقيمه وهذه الأفكار والكلمات لها دوافع لانطلاقها، وأسباب تحركها مثل المصالح، العنصرية، حب الذات، الشهرة، وهذا يسبب حمى وفوضى في المفاهيم والطرح، وكل كاتب يرى العالم بمنظاره ف البعض قادر على إنتاج كلمات وفقا لمتطلبات سوق الأهواء الشخصية والنزعات الإنسانية واستخدام الكتابة وسيلة لتحقيق الغايات للبعض دون وضع اعتبار لقيمة الكتابة، والبعض الآخر يسخر الكتابة لخدمة قضايا تشغل الرأي العام ويؤمن بها كرسالة. إن الكتابة عالم مليء بالإثارة والجمال والعمق ولكن ما مصير الكلمات المتماسكة كعقد اللؤلؤ؟ في سوق الكتابة لا توجد بضاعة فاسدة، ولكن توجد بضاعة رديئة وأخرى جيدة، والرديء والجيد يتوقفان على حسب معايير المستهلكين "القراء" فهناك من يهتم بالجودة على حساب فتنة عشق الضوء ومن يصفق أكثر، وهناك من يهتم بالكثرة على حساب سعر الضمير..! [email protected]