كرّم ملتقى "نخبة الفن والإعلام" في دورته الأولى الأسبوع الماضي "57" شخصية فنية وإعلامية وأدبية سعودية تحت مسمى "ليلة وفاء لمبدعي الوطن" في فندق الموفمبيك بالرياض، في بادرة تعتبر الأولى من نوعها.. وقد شملت قائمة المكرمين بعض الفنانين الكبار الذين فقدناهم مثل الفنان الكبير الراحل طلال مداح.. وقد تنوعت المجالات التي تم فيها التكريم من ممثلين كبار ومبدعين طالما أسعدوا المشاهد.. وعملوا منذ أكثر من أربعين عاماً، وشعراء وإعلاميين قدم كل منهم الكثير في مجاله.. وأشار منسق الملتقى أن التكريم سيقام سنوياً إيماناً بدور الجهة المكرّمة بالحراك الثقافي والفني في المجتمع وضرورة المساهمة فيه..! لفت انتباهي التركيز على عبارة في بادرة هي الأولى من نوعها في الوسط الفني والإعلامي.. بمعنى أن هؤلاء المكرّمين والذين بعضهم أمضى أكثر من أربعين عاماً وهو يعمل ويسعد المشاهد وأبرزهم المبدع "محمد الطويان" لم يعرفوا طعم التكريم قبل ذلك أو التشريف بأن يخبرهم أحد أنّ ما يقدمونه يستحق الشكر والعرفان.. وأن الفنون هي الوجه الحقيقي للشعوب المتحضرة.. وهي التي تُثري الوجدان، وتهذب النفس، وتلامس الروح بضوئها الشفاف.. لم يكرّموا من جهة رسمية مسؤولة، وهي المخوّلة بالتكريم الفعلي وليس الجهات الخاصة والنخب التي تعنى بالفن والأدب وتساهم في تكريم مبدعيه..! في عام 1403 أقرت الجهات المسؤولة جائزة الدولة التقديرية وأسندت مهامها إلى الرئاسة العامة لرعاية الشباب سابقاً "هيئة الرياضة" حالياً واستبشر المبدعون بها وبعد أن تم منحها لدورتين فقط؛ الأولى للأديب المرحوم "عبدالله بن خميس" والثانية للشاعر المرحوم "طاهر زمخشري" توقفت بعدها حتى يومنا هذا دون إبداء أسباب منطقية لهذا التوقف.. فالأدب والفن لم يتوقفا ولا يزال النهر يتدفق.. والسؤال لماذا توقفت بعد دورتين فقط..؟ في الدول المتحضرة الجوائز الأدبية والفنية تتدفق سنوياً ومن جهات متعددة بتدفق الفنون.. فمصر أقرب الدول إلينا والرائدة في الأدب والفنون أنشأت جائزة الدولة التقديرية منذ عام 1958م وأول من فاز بها عميد الأدب العربي "طه حسين" وتبعه العملاق العقاد ومن ثم توفيق الحكيم وأحمد حسن الزيات وأحد رامي ويحيى حقي وعزيز أباظة ومحمود تيمور ونجيب محفوظ ويوسف السباعي وسهير القلماوي وزكي نجيب محمود وبنت الشاطىء وعبدالرحمن الشرقاوي وغيرهم كل هذه الأسماء في العشرين سنة الاولى لجائزة تقترب من ستين عاماً لم تحجب فيها إلا مرات تعد على الأصابع.. ومنذ عام 1980م أصبح يتشارك في الجائزة اسمان أو ثلاثة فشكري عياد شاركه لويس عوض وصلاح عبدالصبور تشاركها مع أنيس منصور.. أحمد عبدالمعطي حجازي مع فاطمة موسى وبهاء طاهر.. هذه الكواكب المشعّة والتي لن تنطفىء وهذا الإبداع الذي صدّرته مصر أدبياً وفنياً تزامن مع اهتمام وتقدير الدولة لرموزها وتكريمهم التكريم المستحق مادياً ومعنوياً في احتفالية كبيرة تُشعر المثقف والفنان بأن أضواء الكون مسلّطة عليه، وأن ما قام به وإن كان مُتخيلاً إلا أنه يمطر عليه الآن بغمامة من ندى الحب والعرفان والتشريف..! في مصر أيضاً جائزة النيل وهي أرفع الجوائز وقيمتها 400ألف جنيه وميدالية ذهبية، تليها جائزة الدولة التقديرية وقيمتها 200 ألف جنيه وميدالية ذهبية، ومن ثم جائزة التفوق وقيمتها150 ألف جنيه وميدالية فضية.. ومن ثم جوائز الدولة التشجيعية وهي ثماني جوائز قيمة كل جائزة 50ألف جنيه.. هذه الجوائز المتدرجة في القيمة المادية والمعنوية وقيمة المُكرِم للفائزين تمثل العراقة والشراكة المزدوجة بين الفنون والدول وبين تجذر الثقافة وصمودها عبر الأزمنة والقيمة الفعلية لها واحتفاء الدول في جميع أنحاء العالم بمبدعيها وهم على قيد الحياة وتكريمهم مادياً ومعنوياً، وإقناعهم بقيمة ماقدموه ومامنحوه لنا من سعادة عليهم في لحظة التكريم أن يروها بقلوبهم قبل عيونهم..! العطاء يقابله التكريم في كل المجالات، لأن التكريم حافز أولاً.. وإشعار بأن هذا المبدع لا يسكن الريح وحيداً بل يسكن داخل أرواح من تأثروا به ويسكن داخل أنسجة وطنه الذي يحتفي به..! ليس هناك ما هو أسوأ من تكريم الأموات بعد أن يغادروا.. تكريم بكلمة أو درع يشكل عبئاً على الأسرة.. كرموا الأحياء ليشعروا بالمحبة ويستأنسوا بالحب.. أعيدوا جائزة الدولة التقديرية ولن أقول أدرسوا أسباب التوقف.. فالدراسة سوف تستهلك أعمار مبدعين على قيد الحياة دون أن تصل إليهم..! هناك تزامن في صعود الأمم بين كافة مجالات التفوق الاقتصادي والعسكري والتعليمي والثقافي والرياضي.. فالصعود عادة صعود جماعي ولكن كيف لك أن تقنع من يعتقدون أن الفنون لا فائدة منها.. بأنها هي من يخلق التوازن في الحياة.. ويقنن الفوضى المحسوسة ويجمع ذرات رماد الأرواح المتناثرة..!!