نجح موسم الحج بشهادة من أدى الفريضة، وجهود من أشرف عليها، وقبل ذلك بتوفيق الله وعونه، ولكن الأهم أن نبقى على مستوى الحدث والمسؤولية بكفاءة وعي، وثقة فيما نحن عليه من قدرات، ونترك الأفعال تجيب على تساؤلات المشككين، والمحرّضين، والمسيسين، والجاهلين بحقيقة الشعب السعودي الذي لا يقبل أن يستفزه أحد في دينه وكرامته، وأثبت للعالم أنه فوق الشبهات، وعلى مستوى التحديات، وقادر على المواجهة تحت أي ظرف. لم يكن سهلاً إطلاقاً تنظيم مناسبة الحج بلا حوادث تعكّر صفوه وسط منطقة ملتهبة من كل مكان، وجيش يقاتل على جبهة الحد الجنوبي، وإرهاب أجير يهدد ويستنزف القدرات، وأعداء متربصين للنيل من مكانة المملكة الدينية، ومحاولة إحراجها بأعمال استفزازية تخريبية، فضلاً عن طبيعة المناسبة وتوافد الحجاج من كل فج عميق، وفي زمان ومكان محدودين، ولكن مع كل ذلك نجحنا في موسم استثنائي للحج، وقدّمنا صورة مشرّفة في خدمة الحرمين الشريفين، وقاصديهما، وحصدنا دعوات المسلمين الذين وجدوا المملكة مصدر الأمن والطمأنينة والاستقرار، وقيادتها تسهر على راحتهم، وتفخر بخدمتهم بلا منّة، أو تسييس، أو تقريق بين حاج وآخر. لقد ترك فينا موسم الحج شعوراً وطنياً مختلفاً ونحن نرى جبهتنا الداخلية أكثر قوة وتلاحماً، وإحساساً عميقاً من أن الوطن للجميع، ومواطنتنا على قدر عطائنا، ومسؤوليتنا تزداد عن قبل، وقدرنا أن نمضي إلى حيث نريد، ولا نلتفت أو نتردد أو حتى نتراجع عن واجب شرّفنا الله به، ولهذا كانت تباشير المواطنين فيما بينهم بنجاح موسم الحج تعبيراً صادقاً عن ما في قلوبهم تجاه وطنهم، وثقة في أنفسهم، ورجال أمنهم، ورداً عملياً لكل من حاول أن ينال من كرامتهم أو يشكك في قدراتهم.. لقد كان الشعب خلف قيادته صفاً واحداً في هذه المناسبة الدينية، وسيبقى كذلك في مناسبات وأحداث أخرى؛ لأننا تعاهدنا معاً أن نبقى على ذات الصف، ونتحمّل في سبيل وحدته ومصيره أرواحنا، ونراهن على بقائه جيلاً بعد آخر، ولا نسمح لكائن من كان أن يخترق حدوده، أو يتطاول على سوره. الحج مضى بخير، وإلى خير في مواسم مقبلة، ولكنه صنع فينا إرادة وطنية مخلصة من أن السعوديين حكومة وشعباً على قلب رجل واحد، ولا يثني عزائمهم كلامُ حاسد أو جاهل، ولا يبتزهم أو يساومهم أحد، وهي رسالة للجميع من أن الوطن محمي بأبنائه، وهو العمق الذي استعصى على كل من حاول وسيحاول التأثير فيه، وجرّه إلى مستنقع الانقسام، والتقسيم، والطائفية، أو التقليل من مكانته، ومستوى نفوذه العربي والإسلامي. الملك سلمان وهو يتقدم شعبه في خدمة حجاج بيت الله الحرام كان واضحاً في خطابه ومنهجه حينما خاطب الأمة من أن الحج مناسبة دينية لا نقبل فيها التسييس، أو مظاهر الجمهرة خلف الشعارات، أو المزايدات، مجدداً التزام المملكة في خدمة ضيوف الرحمن، وتقديم كافة التسهيلات لهم، وهو التزام ديني وسياسي، وسيبقى كذلك؛ لأن خلفه رجال يثق بهم، ويقف معهم، ويفاخر بمنجزهم. لقد أثبت رجال الأمن في مناسبة الحج أنهم على قدر الثقة والمسؤولية، ولديهم الحلول الكافية لضمان النجاح، والمرونة الكافية في التعامل مع المواقف والأحداث قبل وقوعها، والتصدي لها حال وقوعها، وهي تجربة أمنية فريدة على مستوى العالم في إدارة الحشود المليونية بلا حوادث تذكر، وقدرة أيضاً في استعراض الإمكانات وتنفيذ الخطط، وإنسانية أبهرت الجميع في تقديم صورة المملكة في خدمة الحجاج، والتواضع لهم، وكسب احترامهم، ودعواتهم. الجميع في موسم الحج من رجال أمن وأجهزة حكومية وأهلية ومتطوعين راهنوا على النجاح، والفريق الواحد، والتنسيق والتناغم فيما بينهم؛ ليقولوا كلمة للتاريخ: «الحج أمانة بأيدي السعوديين».