المعنى في بطن الشاعر والسبحة في يد الشاعر فمن غير الممكن أن يخرج المعنى من بطنه ليده كي تراه، كما لا يمكن أن يجعل السبحة في بطنه لكي لا تراها.. دعونا من الخافي وخلّونا في الظاهر، فالظاهر أن الدعوة مظاهر. ما سر تعلق الشعراء ب"السبحة" أو تعلق "السبح" في أيدي الشعراء؟ كنا نعتقد أن السبح تكاد حكراً على الصوفيين فإذا بها في يد كل متصوف يلبس الصوف، ولو في عز الصيف يديرها كمروحة تدير الرؤوس المهم أن تلطف شيئا من ذاك الجو، يبدو أن مهمة السبحة مهمة لضمان نظم القصيدة كل خرزة تقابل تفعيلة، ولقطة لشاعر قلطة ينظم بتأثر سبحته وسط منظومة من نجوم النظم وشعراء التسبيح يسبح في الخيال ويطير وكل في فلكه من الشعراء "يسبحون"!. وسبحة الشاعر ليست ككل السبح ولو كانت حجرا كريما أو بخيلا! يمكن استثمارها كما هو الاستثمار في الشعر يعرضها في مزادات المشاهير، فيكفي أنها لشاعر فلاني ليتهافت عليها المعجبون يتمسحون بها على أمل أن يصبح الكل فيهم شاعراً. وطريقة الشعراء في حملهم للسباح مميزة، تختلف باختلاف أغراضهم ونفسياتهم، فممسك السبحة مجتمعة في قبضته شاعر من شعراء القصائد القابضة، و"المكلبش" يداه بالسبح واقع في أسر الحبيبة، ومن كانت سبحته كأنشوطة "الكاوبوي" يومي بها في الهواء فذاك شاعر قناص يمارس هواية الصيد الجائر للقرائح، ومن يضع السبحة حول خصره شاعر يبرهن نحالته و"مرمطة" حالته، ومن يتلثم سبحته فشاعر مختفي وراء اسم مستعار، والواضع سبحته على هامته متواضع تذوب سبحته في ظل كبر رأسه، ومضطبع السبحة في كتفه شاعر ضبع حاد الطبع، ومن يضع سبحته في جيبه شاعر مفرط في الرومانسية؛ لذلك انفرط عقد سبحته فوضعها في جيبه!.