لا نستغرب تعلق القلوب بالحج وزيارة البيت الحرام والصلاة فيه وتأدية الفريضة، ذلك لأنه حب حقيقي في القلب وفطرة لها بذورها الطيبة في النفوس وقد نمت وأثمرت، كما أن الدعوة للحج دعوة استجيبت فأصبح البيت الحرام مكانا تهفو وتتوق إليه القلوب المؤمنة. في كل عام وعلى مر السنين لا يأتي وقت الحج إلا وهناك من يحركه ويجذبه الشوق لرؤية الكعبة والطواف بها، يحمله كل ذلك على البوح بأمنيته وحديث قلبه واشتياقه لزيارة مكةالمكرمة والبيت الحرام، أمنية تتردد وتتكرر وتتجدد يعقبها ارتياح وطمأنينة تغذي الروح المشتاقة إلى العبادة. الغني والفقير وحتى العاجز عن المشي وتحمل السفر والرحيل وكذا الضعيف والمنشغل بأمور معيشته وشؤون حياته ممن لا يقوى على تركها، كلهم وقت الحج وموسمه تتجه أنظارهم إلى البيت رحلة الحج المباركة، رحلة العمر المحببة ويتطلعون لمرافقة قوافل الحجاج ينضمون لركبهم يدعون لهم وتتعلق بهم الأشواق والقلوب فرحا وسرورا برؤية المسيرة. ألا يا ليت من هو راكب مع حملة الحجاج ركب معهم وهو في مزهبه زاده وما عونه حتى ذلك المحتاج الفقير لا يملك المال ولم يجب عليه الحج لعسره وعدم قدرته يتمنى لو قدر على الحج، يتحرك داخله شعور وإحساس لنداء يقابله بتلبية حتى ولو منعته عوائق كثيرة من تحقيق أمنيته، لكنه يبيت مرافقا للحجاج بفكره وتطلعاته وتاريخ مجتمعنا فيه مواقف كثيرة سجلت صورا معبرة عن تعلق قلوب لم يقدر أصحابها لفقرهم على مرافقة الحجاج، ونحن نعلم أن قلة ذات اليد من أهم ما يقف حائلا دون إتمام الرحلة وبعضهم يكون عليه ديون وداره مرهونة في دين من شدة معاناته وهذا كان شائعا في البلدان لصعوبات النقل وقلة الرواحل وأخطار الطريق ولنقص الموارد وقلتها كما يقول صاحب هذه الأبيات وقد غلبته ظروفه وفي الوقت نفسه يشتاق لمرافقة الحجاج إلى بيت الله لكن ما في يده حيلة إلا البوح بمعاناته يقول: ألا يا ليت من هو راكب مع حملة الحجاج ركب معهم وهو في مزهبه زاده وما عونه ألا ياربي أفرج لي همومي قرب المخراج تشوف الحال ما تنقال حتى الدار مرهونه ولعل قصص الحجاج وما يجري وقت استعدادهم وعودتهم من رحلتهم أيضا وما واجههم في الطريق من مواقف كثيرة متنوعة، فيها المحزن وفيها الممتع وفيها خبرات يستفاد منها، لهذا تعد من روافد الخبرات والتجارب نسمعها كثيرا فتشدنا، كما نتج من تلك القصص عبر وحكم وأمثال شعبية تعد من جيد البلاغة والبيان يتم توظيفها في الكلام والتواصل به، من ذلك قولهم: ما يحج إلا قوي، وقولهم من حج فرضه قضب أرضه، وأيضا قولهم: حج وبيع مسابح، و حج وقضيان حاجة..الخ وكل هذه الأمثال ذات دلالات فيما لو شرحت معانيها وما فيها من تقريب الصورة والتشبيه بينها وبين من ما ضربت له مثلا. ولاشك أن الله أرحم بعبادة فلم تطل تلك الشدائد والمصاعب التي جرت في الماضي والتي تعد عائقا ومشقة، فقد يسر الله أمر الحج اليوم ورزق المجتمع والدولة ثروات سخرتها لخدمة ضيوف الرحمن وتسهيل وصولهم وتنقلاتهم وإقامتهم بيسر وسهولة وقامت بتوسعات مذهلة سواء في الحرم وساحاته أو المشاعر والروابط بينها والطرق أو غيرها مما ينتفع به المتنقل في الحج وغيره، وشاع الأمن ولله الحمد وسخرت كل الجهود لتصل في النهاية لحج مهيأ وراحة للجميع. وأما خدمة الحجاج فقد جعل الله في النفوس الطيبة حب المبادرة إلى خدمتهم ومساعدتهم وإكرامهم وحفظ أمنهم وسلامة رحلتهم حتى وصولهم إلى مقصدهم وعودتهم إلى أهلهم بسلام. تقول الشاعرة: د. مناير الناصر، من قصيدة ترحيبية لضيوف الرحمن وبعبارات تمثل كل فرد منا حيث يحمل المشاعر نفسها تجاه حجاج بيت الله وقاصدي هذه الأرض الطيبة: لضيوف بيت الله معزه وتقدير في مهبط الدين الحنيف وكتابه أرض حباها الله وال المقادير في قبلة المسلم على أطهر ترابه فاللي لفاها من بعيد المشاوير حجاج بيت الله هلا مرحبا به و يقول الشاعر بندر السريحي: يا مرحبا بضيوف بيت الله عدد وبل الغمام اللي لفوا من كل فج وكلهم شوق وحنين استبشرت مكة بكم واستبشر البيت الحرام بحماية المعبود سيروا وادخلوها آمنين الله يتمم حجكم في راحةٍ وامن وسلام ويردكم لاوطانكم في يسر وانتم سالمين و من القصائد والأبيات الترحيبية يقول الشاعر فيها: حجاج بيت الله سلمت خطاكم ياسعدكم وسط المشاعر تلبون يحرسكم اللي مايخيب رجاكم من وين مارحتوا الى ما تعودون واحبابكم للشوق حزة لقاكم معكم ترى في كل خطوة تخطون والقصائد والكلمات الترحيبية التي تستقبل الحجاج تحمل الود والإخاء كلها تمثل المجتمع السعودي بالشعور نفسه تجاه ضيوف الرحمن وخدمتهم ، هذا المجتمع الوفي نذر نفسه و أرخص ماله و بذل جهده لتسهيل مهمة الحاج وعونه منذ دخوله البلاد وحتى أداء مناسك الحج وعودته إلى أهله سالما غانما. إن لسان الحال والمقال لكل من على هذه البلاد هو ما تحمله كل كلمات الترحيب والتقدير فهي تمثل الإنسان السعودي الذي يفرح بالموسم وزوار بيت الله، كما أن الحج هاجس كل مسلم سواء قدر على ذلك أو أعاقه عائق وعجز عن مقصده، لكن يبقى شوقه لأرض مكةالمكرمة وتأدية الحج مع جموع الحجاج يشده ويتردد في نفسه، وهذه الدافعية الخفية ثمرتها حب المسلمين لبعضهم وقت تلاقيهم على أرض المشاعر وهي أيضا سر ذلك التجمع الكبير المتعاون والمتراحم الذي يطلب رضا الرحمن. ونختم بأبيات للشاعر: مصطفى عكرمة، التي تحمل عبارات الشوق لمكةالمكرمة والرحاب المقدسة وما فيها من سكينة وأمن يقول فيها: طف بي بمكة إني هدني تعبي واترك عناني فإني هاهنا أربي ودع فؤادي يمرح في مرابعها ففي مرابعها يغدو فؤاد صبي هنا بمكة آي الله قد نزلت هنا تربى رسول الله خير نبي هنا الصحابة عاشوا يصنعون لنا مجدا فريدا على الأيام لم يشبِ هذا هو البيت رب الناس صيره مهوى القلوب على الأيام والحقبِ ناصر عبد الله الحميضي