امبرتو ايكو يواجه المبتدئون والناشئون في كل صناعةٍ تحديات غير محدودة، تشكل مرشحات و»فلاتر»، تعلق فيها الغالبية، ويفلح القليلون في تجاوزها. ولا يختلف الحال حين يتناول النظر صنعة الكتابة، ويحاول هذا التقرير أن يقارب هذه المشكلة ويصل إلى بعض الحلول المقترحة لها. ابتداءً، يمكننا تعريف الكاتب الناشئ بأنه الإنسان الذي لم ترسخ قدمه بعد في عالم الكتابة، ولم يتمكن من أدواتها، ولم ينتج إنتاجاً يشهد له المقتدرون من الكتّاب بالجودة. ويرى بعض الباحثين أن مصطلح «ناشئ» لا علاقة له بالمرحلة العمرية التي يعيش فيها الكاتب، وعلى سبيل المثال اعتبر الروائي العالمي امبرتو ايكو نفسه روائيا ناشئاً رغم أنه بدأ كتابة الرواية وهو في التاسعة والأربعين، ورغم أنه عالم سيميائي محترم وسبق له إصدار بحوث يعتد بها الباحثون. وعند عتبة التعريف أيضاً نقف أمام معضلة أخرى، هي مصطلح «الكاتب»، وهو مصطلح اختلفت القواميس بشتى اللغات في تعريفه، تتراوح فيها الكلمة بين الكاتب باعتباره «اسم فاعل»، يصدق على جميع ممارسي الكتابة، سواء كانت كتابة رسالة نصية أو كتابة رواية، وبين الكاتب الموظف، ككاتب الضبط، وكاتب العدل، والشرطي حين يحرر محضرا، وبين الكاتب المحترف، سواء أكان كاتباً صحفياً، أو كاتب سيناريو، أو روائيا، أو قاصاً، أو شاعراً، أو باحثاً علمياً. وسيتجاوز التقرير معضلة التعريف ليتناول الكاتب باعتباره شخصاً ملماً بالأدوات الضرورية للكاتب، وهي: القدرة اللغوية، والفكرة، والمران الكافي لكتابة نص متماسك، وهي محددات لا تزال تحمل كثيرا من النسبية. يواجه الكتاب المبتدئون عدداً من التحديات التي يتعلق بالكاتب، إضافة إلى تحديات متعلقة بالبيئة المحيطة بالكاتب، وأخرى متعلقة بالجهات الداعمة للكاتب. تحديات ذاتية وتتنوع التحديات الذاتية التي يواجهها الكاتب، لتشمل: إشكالية الثقة بالنفس، والتقصير في اكتساب الأدوات، وتعجل قطف الثمرة، وضعف المران، وعدم القدرة على التسويق للذات، إضافة إلى نقص تقدير الذات أو المبالغة فيه. يتحدث الكاتب الأميركي مارك توين في مذكراته عن تجربته الشخصية مع الكتاب الهواة، مؤكدا أن أعمال الهواة تعرض على الكاتب المحترف في ظاهر الأمر لكي يحكم عليها حكماً صادقاً بعيداً عن العواطف، غير أن ما يطلبه أولئك في العادة هو المديح والثناء، وهو أمر يستحيل غالباً إذا أراد المرء أن يكون أميناً مع نفسه. وتؤكد شهادات العديد من الكتاب أن الفاصل ضئيل للغاية في تجربة الكتابة بين «تجاوز التحديات» وبين توهم تجاوزها، وهو ما يجعل مهمة النقد بغرض التطوير مهمة فاشلة نظراً لاصطدامها بنفسية الكاتب الناشئ ومخالفتها لانطباعه عن نفسه. التعامل الصحيح مع الذات في رأي الروائي والقاص الأميركي رايموند برادبيري يتمثل في اعتبار الكتابة فناً، يحتاج إلى مران طويل حتى يصبح فناً جيداً، وهو أمر يلزم منه الاستمتاع بعملية الكتابة ذاتها، واكتساب الشغف، الذي يرى برادبيري أنه كفيل بإنقاذ الكاتب المبتدئ. كما يضيف برادبيري قائلا عن الكاتب: «إن عليه تزويد نفسه بأدوات نحوية ومعرفة أدبية كافية، حتى لا يتعثر عندما يرغب بالركض». تحديات البيئة يشكو الكثير من الكتّاب الناشئين من معضلتين متقابلتين متعلقتين بالبيئة التي تحيط بهم، وهما: المجاملة، والتحطيم. حيث يفتقد الكاتب الناشئ في أحوال كثيرة، البيئة التي تعينه على إبقاء جذوة الكتابة مشتعلة في داخله، مع الإشارة إلى نواحي القصور في محاولاته الكتابية، ويجد الكاتب الناشئ نفسه بين مشجع لا يمتلك أدوات التقييم الصحيح، وناقد لا يرغب في الحفاظ على شيء من تقدير الكاتب لنفسه. يعبر عن هذا أحد الكتاب الناشئين قائلا: «أتمنى ألا أصدق من يثنون على محاولاتي الكتابية، لأني أعلم -من خلال مقارنة ما أكتبه بما أقرأ من النصوص الأدبية- أن أمامي سكة طويلة من التدريب، وسلة من المهارات التي يجب علي امتلاكها». أين الجهات الداعمة؟ رغم الإقبال الكثيف على الكتابة، والذي يمكن التأشير على وجوده بمتابعة زخم التدوين الشبابي، ووفرة الإصدارات الشابة، وظهور الكثير من الأقلام الجديدة على صفحات الجرائد الورقية والإلكترونية؛ لا يبدو أن الجهات المعنية بالحراك الأدبي السعودي تولي الكثير من الاهتمام برعاية المواهب الشابة، باستثناء بعض المبادرات الحافزة، كمبادرة عبداللطيف جميل للإصدار الأول، بالشراكة مع نادي جدة الثقافي الأدبي، والتي تتضمن جائزة ودعما يقدم للمبدعين الشباب الذين يؤلفون للمرة الأولى، كما تتضمن بعض الورش الإثرائية والمحاضرات للمهتمين بالكتابة. ويعرب بعض المبدعين الشباب عن رغبتهم في وجود ورش منتظمة للكتابة الإبداعية تنظمها المؤسسات المعنية، كالأندية الأدبية، وكليات اللغة العربية، كما يثمنون المنافسات التي تقدمها بعض الجامعات متيحة فيها للطلاب تقديم نصوص تحظى بتحكيم نقاد من أعضاء هيئة التدريس بالجامعة ذاتها. كمسابقة شاعر جامعة أم القرى، وشاعر جامعة الملك عبدالعزيز. والأمل معقود في تصدي المهتمين بالكتابة لتأسيس مبادرات وجمعيات أهلية توفر المظلة الداعمة للكتاب الناشئين، وتتيح لهم الالتقاء بالخبرات السعودية والعربية للاسترشاد والاستفادة، والسير في طريق يخرج للقارئ السعودي والعربي أدباء من طراز رفيع. مارك توين رايموند برادبيري