لا يوجد أدنى شك في أن ممارسة النقد الجاد للنصوص الشعرية عملية صعبة جداً مقارنة بالقيام بأدوار أخرى سهلة يُجيدها أي شخص، كتوزيع الألقاب المجانية أو الثناء المبالغ فيه على الشعراء. وأبدأ من مسألة توزيع الألقاب نظراً لكونها عملية شائعة لا تخضع لأي شروط أو قيود في الغالب، فكل شخص من حقه أن يختار اللقب الذي يعجبه ويمنحه للشخص الذي يعجبه، وقد تفنّن الشعراء الشعبيون خلال السنوات الماضية في إطلاق الألقاب على أنفسهم أو منحها لأصدقائهم من الشعراء، وكثيراً ما يكون هناك حرص على اختيار الألقاب الأكثر فخامة حتى لو لم يكن لها أي ارتباط بالشاعر أو بالشعر كأدب له خصوصيته، وآخر الألقاب الموزعة لقب "أرطبون الشعر العربي" الذي منحه الشاعر بدر اللامي الأسبوع الماضي للشاعر سعد علوش في حوار صحفي أجري معه! أرجو ألا يُفهم كلامي السابق على أنّه اعتراض على مسألة منح الألقاب سواء لمن يستحقها أو لمن لا يستحقها، فهناك أكثر من سبب يمنعني من الاعتراض، أهمها قناعتي أن الاعتراض لا يُقدم ولا يؤخر شيئاً في هذه المسألة، فكم من لقب أُعتُرض عليه لكنّه استطاع البقاء وارتبط باسم الشاعر بقوة، كما حدث على سبيل المثال مع لقب (أمير الشعراء) الذي عُرف به أحمد شوقي، فهذه حالات من حالات عديدة لم يؤثر اعتراض المعترضين في منع ارتباط اسم الشاعر باللقب الذي أُطلق عليه، لأن فئة غير قليلة من المعجبين بالشاعر تبنّته واستمرت في تلقيبه به. وفي المقابل هناك ألقاب كثيرة تتلاشى سريعاً، ولا تجد أي قبول من الناس. فالألقاب التي تُطلق على الشعراء مجرد تعبير انطباعي بسيط عن الإعجاب، لكنها لا تُمثل أي قيمة حقيقية مقارنة بالنقد الذي يُبذل فيه جهد كبير ويبين فيه الناقد نقاط القوة ومواطن الجمال والتميز في تجربة الشاعر. توزيع الألقاب المجانية أمر هيّن إذا ما قورن بإسراف المتلقي –والناقد على وجه الخصوص- في استخدام عبارات تبجيلية مبالغ فيها عند الحديث عن الشاعر أو عن إنتاجه، مع أن هذه المسألة تشترك مع الأولى في كونها تصدر عن انفعال وعاطفة لا عن تأمل وتحليل، إذ لم يكن مستغرباً في لغة النقاد القدماء أن تقابل عبارات من نوع: "أنت أشعر الأولين والآخرين"، أو "ليس لهذا البيت نظير في كلام العرب"، ومن العبارات التي نقرأها باستمرار عند وفاة أي شاعر مبدع: "آخر الشعراء المبدعين"، وهذه العبارات وغيرها عبارات غير لائقة في لغة النقد لأن قائلها يدّعي قصر الإبداع على شاعر معين أو يزعم بأنه مطلع على جميع ما أبدعه الشعراء. أخيراً يقول سالم حمد الملعبي: مهما حصل لي في حياتي من أشياء وعاشت معي من مولدي لي وفاتي تبقى تفاصيلك من الألف للياء ومحبتك أجمل حدث في حياتي