تولي قيادتنا الرشيدة -حفظها الله- قطاع التعليم اهتماماً بالغاً وتصرف عليه بسخاء، سواء في التعليم العام أو العالي.. وتسعى من خلال ذلك للوصول إلى دول العالم المتقدم، ومقارعة تلك الدول، فالعلم هو السلاح الفعال والناجع لأي دولة تريد الوصول لمراتب عليا.. ولتنويع سياسات التعليم وفلسفاته ومناهجه سعت دولتنا حفظها الله لتوفير "برنامج الابتعاث" لأبنائها، هذا البرنامج الذي جاء إيماناً من القيادة الرشيدة بأن الإنسان هو ثروة الوطن الحقيقية.. وأن تطور أي مجتمع يرتبط بإنسان ذلك المجتمع وفق رؤية استراتيجية بعيدة المدى لتطوير التعليم، وتنمية كافة قطاعات الدولة داخلياً وخارجياً. الابتعاث إحدى الوسائل المهمة لتلبية حاجات الشباب في التعليم، ذلك أن الابتعاث له أهمية كبرى في تطور المجتمعات، كما أنه يساعد على الانفتاح الثقافي، ويساهم في التنمية والتغيير الاجتماعي والاقتصادي، ويعتبر أحد العوامل التي تساهم في التربية والتوعية والتثقيف وفي خلق التحولات داخل المجتمع، كما يعد إحدى القنوات التي تعطي الصورة الحقيقية للإسلام وللسياسات السعودية في الخارج، بالإضافة إلى أنه يعتبر أحد الأمور المؤثرة في حوار الحضارات. ولا أحد ينكر أن الدولة سعت لتوفير الفرصة للمبتعثين للدراسة في الجامعات المرموقة ذات السمعة العالية من أجل الاستفادة مما وصلت له تلك الجامعات، ويعكس حرص المملكة وتوجهها إلى الانفتاح على الآخرين.. وإيجاد ثقافة الحوار الجيد، والتفاعل المثمر والمفيد والسليم، وبناء مجتمع معرفي قادر على بناء الوطن، فالابتعاث لا يجب أن يُنظر إليه على أنه انتقال من مجتمع إلى مجتمع، أو من دولة إلى دولة، أو كونه رحلة لطلب العلم فقط، بل يجب أن يُنظر إليه بطريقة أشمل وأعم، على اعتبار أنه اتصال حضاري.. ويجب ألا يغيب عن الأذهان المكانة السياسية والاقتصادية والعلمية المعاصرة التي وصلت لها بلادنا، والمبررات التي دعت إلى الابتعاث للخارج، فالطالب الذي يذهب إلى هناك لا بد أن يحمل الفكر والسلوك والأنماط الثقافية الإسلامية، التي تمثل في مجملها واقع مجتمعنا، وتعكس التحضّر والتقدم الذي وصلنا إليه، أي أنه يكون سفيراً لبلاده وعليه نقل أخلاق وقيم المسلمين؛ فهو فرد ينتمي إلى عقيدة تختلف في مصادرها وأسسها وقيمها وسلوكها عن الحضارة الغربية، وعليه أن يلتزم بإسلامه، ويعتز بانتمائه الحضاري، ويبحث عن السبل التي تكفل له هذا الالتزام، وتدعم في شخصيته الانتماء لكي يتجنب الآثار السلبية الناتجة عن الحياة في بلاد الغرب، وتكون حوافزه للتعلم أقوى، وإنجازه أفضل، لشعوره بالمسؤولية تجاه وطنه وأمته الإسلامية، ويتعامل تعاملاً مباشراً مع الحضارة الغربية، ويستفيد من بعض جوانبها الإيجابية، فيكون قد استثمر تجربة "الابتعاث" استثماراً علمياً واعياً على مستوى شخصه ومستوى الأمة التي ينتمي إليها. وعلى النقيض من ذلك، الطالب الذي لا يتوفر لديه التحصين العقائدي والفكري المناسب، أو لم يستطع المحافظة على هذا التحصين في فترة اغترابه فإن مظاهر الانبهار والتقليد تسيطر على عقليته ويتأثر سلباً بفكر وسلوك المجتمع الغربي، وعند رجوعه تكون لديه توجّهات فكرية وسلوكية غريبة عن مجتمعنا وقيمنا، الأمر الذي يدعم توجّهات التبعية والضياع والتخبط في متاهات الاغتراب الحضاري. ولذلك فإن على الدولة والجامعات على وجه الخصوص مسؤولية عمل دورات وبرامج توجيهية للمبتعثين للخارج، يتم فيها تعريف المبتعثين بالأنظمة والتقاليد الجامعية والثقافية الغربية وأنماط السلوك التي قد يواجهونها، ويتم عن طريق هذه البرامج تحصين الطلبة فكرياً وجعْل البديل الحضاري الإسلامي واضحاً أمام الجميع.. ليكون الابتعاث ذا فائدة ويرسم عنا صورة حسنة ونكون خير سفراء لبلدنا في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى هذه الصورة السليمة، سيما وأن العالم ينظر لنا نظرة مختلفة باعتبارنا مهبط الوحي وقبلة المسلمين فلابد أن تكون تصرفاتنا عاكسة لنا بصورة إيجابية لا سلبية.. [email protected]