توقفت أمام مقولة، ليس لأنني لم أعرفها، ولكن لتفنيدها لقضية مفهوم العمل لدينا في العالم العربي، والوظيفة والهدف منها.. خاصة وأننا من أقل الشعوب كعرب إنتاجية من جيوش الموظفين وبالذات الحكوميين.. وتفاصيلها «من كل عشرة في العالم العربي..هنالك واحد يعمل بإخلاص، واثنان يشكرانه على عمله، وثلاثة يشككون في نواياه، وأربعة يرددون له يومياً: لن تنجح..» انتهت المقولة التي يعرفها أغلب الموظفين وتنطبق على الغالبية وبالذات في القطاعات الحكومية، حيث تجد عدم الجدية في العمل أو الإبداع، أو التعامل مع الوظيفة من منطق الرقابة الذاتية وليس من منطق مراقبة المدير.. فعبارة راجعنا الأسبوع الجاي أو بكرة لاتزال تتردد في دوائر حكومية كثيرة، ومنطق الهروب وعدم العمل أو الإنجاز بعد صلاة الظهر وترحيل العمل لليوم التالي لايزال صورة مستديمة وقائمة وبالذات في الوظائف التي تخضع للضغط من المراجعين، وأيضاً عمل الموظف وإنجازه معاملة لمراجع بطريقة المنّ عليه والتفضل أنه أنجزها لاتزال سارية، خروج الموظفين ركضاً في نهاية الدوام ودخولهم متثاقلين صباحاً يكرس أن الوظيفة الحكومية الهدف منها الراتب وليس الإبداع أو الإنجاز..! في عام 2009م وفي استطلاع في جريدة المدينة مع خبراء إداريين قالوا فيه «إن نصف دوام الموظف تقريباً يضيع بين الإفطار والأحاديث الجانبية والاستعداد للصلاة وبعض المشاوير الأخرى، ويرى الخبراء أن الوقت المحدد للعمل سنوياً بعد استبعاد الإجازات المختلفة لايزيد على 34٪ بينما الإنجاز الفعلي لايزيد على 20_25 بالمئة فقط وعزوا هذه الإنتاجية الضعيفة إلى ضمير الموظف نفسه وافتقاره إلى الرقابة الداخلية على نفسه بعد أن أثبت نظام البصمة في الخروج والدخول عدم فعالية كافية..! المشكلة أن الموظف هو حجر الأساس في تقدم الدول من خلال إيمانه بعمله وإخلاصه واعتبار الوظيفة ليست «راتبا أو أكل عيش» فقط وإنما وسيلة أساسية للرفع من مستوى الوطن والانتماء إليه والشعور بالمسؤولية القصوى للوصول إلى درجة عالية من الإنتاجية بإحساس فردي يتبعه الحس الآخر وهو الرقابة من المسؤول أو المدير.. وفي دراسة قامت بها مؤسسة الخليج للاستثمار كشفت عن ارتفاع معدل إنتاجية الموظف السعودي بنسبة 0/08بالمئة خلال الأعوام من 2000 إلى 2007مؤكدة أن ذلك ليس نتيجة فعلية لزيادة الإنتاج وإنما لزيادة عدد الموظفين..! بالعودة للفكر السائد في المجتمع والذي تكرّس على مدى عقود ولم تساهم المؤسسات التعليمية في تغييره أو الأسر من خلال التربية والتثقيف بأهمية العمل كإبداع ورفعة للأمم وليس فقط للكسب وبالتالي تحول العمل إلى راتب حتى دون أي عمل يقوم به فرد موظف؛ حيث إن الوظيفة تتشابك مع الأمور العائلية والمشكلات في الأسرة والمجتمع ويرتبط الموظف بتوصيل أولاده للمدارس ومن ثم العودة بهم والإفطار وفي السنوات الأخيرة الجوال والكتابة فيه والقراءة والتواصل الاجتماعي كل ذلك من العمل وعلى حساب العمل، والوظيفة التي تقوم حياتك على دخلها ولكنك لا تُخلص في أدائها..! وتساهم الدولة في هذا التسيب أو هذه الإنتاجية الضعيفة من خلال مساواة الموظفين ببعضهم، فالعلاوة السنوية تشمل الموظف الضعيف والمتميز والمتغيب، والإجازة تنطبق على الجميع، رغم أنه كانت ولا تزال هناك مطالبات بتقنين العلاوة السنوية وربطها بالموظف الممتاز والمنتظم، وعدم منحها للمتهاون والذي لايبذل أي جهد.. وكذلك تشديد العقوبات والجزاءات على المتهاونين كما يحصل في القطاع الخاص الذي تظل إنتاجيته أفضل وموظفوه أكثر التزاماً لأنه يعرف بأن العمل الجاد هو الذي يبقيه في وظيفته..! ليست الوظيفة راتبا فقط بل هي طموح من أجل تحقيق الأفضل والصعود إلى الأعلى وتحقيق الإنجاز وتطبيق قوله صلى الله عليه وسلم «من عمل منكم عملاً فليتقنه» والعمل عبادة هذا هو ديننا وليس راتبا فقط رغم أهميته.. العمل متعة عندما تحبه وتتقنه وتتمازج معه ولكنه يتحول إلى رسالة فارغة عندما تعتقد أنه راتب آخر الشهر وهو ما يكرسه المجتمع ولا يتوقف عند طالب الوظيفة هل يجيدها أم لا؟ وهل يستحقها وسوف يؤدي فيها أم أنها وظيفة فقط وعليه أن يملأها دون فهم أو إبداع أو تخيل! أخيراً وما هو مؤلم أن النهاية واحدة للمتميز والكسول والمهمل .. فقد التقيت سيدتين تقاعدتا مبكراً واحدة كانت مبدعة ومتفوقة وتذهب إلى المدرسة من السادسة هي من يفتح الباب لعشقها لما تقوم به وقد أنجزت عملاً رائعاً، والثانية كسولة ومتغيبة طوال العام بأعذار متعددة وتحولت للتحقيق عدة مرات للغياب غير المسبب، وكانت تقول بس أكمل عشرين سنة.. لم تنتج ولم تنجز ولم تخلص وتعترف بذلك.. كلتاهما تقاعدتا، المتميزة والمستهترة بنفس الراتب .. الطريف أنّ كل واحدة ظلت بقناعاتها، فالمتميزة قالت : أديت بما يمليه عليّ ضميري، والثانية قالت وأنا كنت لا أحب العمل ولا الوظيفة ولكن أكملت وكنت أقول لك المحصلة واحدة لن يزيد راتبك ريالا واحدا عني رغم أنك كنت ترفضين حتى الإجازات الاضطرارية.. لعله غياب الوعي والضمير والمسؤولية، وإعادة هيكلة تنظيم العمل وإنصاف المبدع هما من سوف يكسر ديمومة هذا التسيب الوظيفي وعدم الارتقاء وزيادة ساعات الإنتاج الحقيقية للموظف..!