الوطن أون لاين- السعودية أثارت تصريحات أحد أعضاء مجلس الشورى حول تدني إنتاجية الموظف الحكومي السعودي، ردود أفعال غاضبة في مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، حيث قال ما نصه بأن: "إنتاجية الموظف الحكومي السعودي منخفضة ولا تتناسب مع راتبه، إذ يتقاضى راتبا يفوق إنتاجيته بكثير". وهذا القول يستند على دراسات وأبحاث علمية تؤكد على صحة هذه الفرضية، إذ تؤكد إحدى الدراسات الحديثة في هذا المجال على كثرة غياب الموظفين في القطاع الحكومي، وترك مكان العمل من دون عذر، أو الانشغال بأعمال غير مهمة وهامشية أثناء وقت الدوام الرسمي، وهذا من شأنه التأثير السلبي على إنتاجية الموظفين، ناهيك عن وجود التضخم الوظيفي، فالعمل الذي يستطيع القيام به موظف واحد، يقوم به خمسة موظفين!، بالإضافة إلى عدم القدرة على معاقبة أو فصل الموظف السيئ. أما الاعتراض على الرأي السابق فيتمثل في وجود إشكاليات تتعلق بنظام الخدمة المدنية، وهذه الإشكاليات هي السبب الحقيقي وراء تدني إنتاجية الموظف الحكومي، إذ إن النظام لا يفرق بين المهندسين وبين مشغلي المصاعد، ولا يفرق بين الأعمال التي تطلب جهداً فكرياً وتلك التي تحتاج إلى مجهود بدني، بالإضافة إلى غياب الحافز الوظيفي، إذ تتساوى الترقيات والعلاوات في هذا المجال، فالأمر لا يتطلب سوى إكمال المدة النظامية فقط، سواء كان الموظف مجتهدا أو كسولا، وعليه تكون الترقية بناءً على الأقدمية وليس بناءً على الجدارة والكفاءة، وبالتالي من مصلحة الموظف الحكومي ألا يبذل جهداً أكبر مما يضطر لبذله، كما أن الموظف قادر على التصرف دون إشراف فعال. وهناك من يقول أيضاً إن هدر المال العام وعدم الكفاءة وسوء الإدارة هي سمة ملازمة للجهات الحكومية، فهي لا تعمل في سوق تنافسية، ولا يوجد لديها حافز لمراقبة التكاليف المالية، ومن ثم فلن تكون هذه الجهات فعّالة في تحسين الإنتاجية، بالإضافة إلى أن نظام الرواتب والأجور الحكومي الجامد جعل من الصعوبة عرض رواتب مغرية، أو مكافأة الموظفين الذين يؤدون أعمالاً جيدة، الأمر الذي جعل من الجهات الحكومية مجرد مراكز تدريب، إذ يصبح الموظف المبتدئ متعلماً في وظيفته بما يكفي لأدائها، بعدها يكون قد قرر الرحيل إلى وظيفة يجني من ورائها مالاً أكثر في قطاع الشركات والمؤسسات. أما الموظفون المختصون في مجال الخدمة المدنية فيشعرون بالضيق من المشاعر العدائية الموجهة نحوهم، ويؤكدون على أن البعض لا يفهم نظم تصنيف الوظائف، والتي وضعت للتأكد من معاملة الموظفين الحكوميين بعدالة وبدون أي اعتبار للعوامل الاجتماعية والثقافية، كما أن هناك مرونة في نظام الخدمة المدنية يتيح للمسئولين التنفيذيين تجاوز هذا النظام، فبدلاً من فصل الموظفين غير الأكفاء يكلف هؤلاء بأداء مهام غير مرغوب فيها، أملاً في أن يقدموا استقالاتهم، أو على الأقل وضعهم في مكان لا يؤثر على أداء الجهة الحكومية، أما إذا رغب المدير الإداري في ترقية موظف مجتهد ومنتج، يستطيع استحداث مسمى وظيفة لأجل ذلك، هذا بالإضافة إلى إمكانية الإعارة والنقل إلى جهة أخرى أو الترقية بالاستثناء. هذا باختصار شديد لمجمل المواقف والآراء حول تدني إنتاجية الموظف الحكومي والتي تتفق جميعها على صحة هذه الفرضية، إلا أنها تختلف في الأسباب والدوافع. ورغم أهمية ما ذكر في هذه القضية، إلا أننا في الحقيقة نواجه مشكلة قد تكون معقدة في مجملها، وقد يلجأ البعض إلى التهكم والسخرية من الموظفين الحكوميين بتصويرهم على أنهم سذج ومن ذوي الفهم الضيق، والأمر في الحقيقة ليس كذلك. بناءً على الواقع العملي، فإن الموظفين الجدد في الغالب يميلون للمثالية، ويجتهدون في تأدية أعمالهم، ويطمحون في أن يكون لهم دور في مجال تخصصهم، إلى أن يصطدموا بصخرة الواقع، فيجدوا أنفسهم وسط بيئة مليئة بالتناقضات والضغوط والفساد، ففي مجال العمل الحكومي – كغيره من مجالات الأعمال – يواجه الموظف ورطات وكوارث أخلاقية متعددة، بعضها بسيط ويمكن معالجتها في وقتها وبعضها معقد وحلولها غير واضحة، حينها يكون الموظف بصدد قرار أخلاقي قد يحدد مستقبله الوظيفي. فقد يطلب من الموظف الجديد – على سبيل المثال – دراسة قضية ما، ونتائج هذه الدراسة محددة مسبقاً من قبل مديره الإداري، فهل يعتمد هذه النتائج في دراسته أم يعتمد على المعايير الفنية والعلمية المطلوبة والتي قد تكون عكس النتائج المقررة مسبقاً؟، أعتقد أن اتخاذ القرار في مثل هذه الأمور لا يكون سهلاً دائماً. هل سألنا أنفسنا يوماً، لماذا قد يتحول الموظف الحكومي من موظف مجتهد ومنتج إلى موظف كسول وغير مبال يلجأ إلى كثرة الغياب وترك العمل؟، لماذا هو مشغول بأوراق اللعب في الكمبيوتر أو بجهاز الهاتف الجوال؟ لماذا أصبحت بعض المكاتب الحكومية مقاهي وصالونات كلامية؟ إن الإجابة على الأسئلة السابقة تتمثل في المناخ والمحيط التنظيمي للجهة الحكومية والتي تعد سبباً جوهرياً لتدني إنتاجية الموظف الحكومي، فعندما تكون الإدارة في الجهة متبلدة وغير آمنة أو حمقاء أو متسلطة ومتشددة، وتعامل الموظفين معاملة سيئة، أو أنها تقيم الأداء على أساس النتائج قصيرة المدى ودون اعتبار للعوائق التشغيلية، عندئذ لا نستغرب تدني الإنتاجية وشيوع الفساد في الجهة. في الغالب، يعزو بعض المسؤولين الإداريين سبب ضعف الإنتاجية وسوء الأداء إلى تقصير الموظفين وعدم كفاءتهم، ويدعون إلى تكثيف الرقابة عليهم ومحاسبتهم، فيكثرون من خطابات لفت النظر وتحويل الموظف إلى التحقيق ، والتشديد على الحضور والانصراف ومنع الإجازات، أو قد يشتكون من التسرب الوظيفي وقلة عدد الموظفين وضعف الحوافز، ويبدو أن هناك من ابتلع هذا الطعم ووقع في فخ البيروقراطية، فعندما نتحدث عن قلة الإنتاجية فإننا نتحدث في الواقع عن انتشار الفساد، والبعض لا يشعر بذلك!.