بريكست يعني بريكست"، هكذا بدأت السيدة تريزا ماي، رئيسة وزراء بريطانيا الجديدة، حديثها عن نتيجة الاستفتاء، الذي جرى في 23 يونية، حتى قبل اختيارها من قبل حزب المحافظين لتخلف رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون. وهذا يعني ان بريطانيا ستدخل في حوار مع الاتحاد الاوروبي للتوصل الى صيغة جديدة للعلاقة بين لندن و بروكسل. كلنا يعلم انه من وجهة نظر جيوسياسية، بريطانيا جزء من اوروبا وان هذه الحقيقة ستستمر بغض النظر عن بقاء بريطانيا خارج او داخل الاتحاد. وهذا يعني ايضا ان العلاقات التجارية والاقتصادية والسياسية والامنية والدفاعية بين الطرفين ستبقى ولكن بصيغ مختلفة عما هي عليه الآن. وكلنا يعلم ايضا ان وضع بريطانيا الدولي - كعضو دائم في مجلس الامن، و كعضو مهم في حلف الناتو وكمركز معلوماتي وتاريخي هام بالنسبة لمنطقة الشرق الاوسط وكمركز مالي عالمي وكقاعدة صناعية من الطراز الاول - سوف يبقي على علاقة بريطانيا مع دول العالم دون تغيير، وهذا بدون شك يؤكد ويضمن انه لن يكون هناك اي تغيير او تأثير على التزام بريطانيا تجاه القضايا الدولية، فضلا عن قضايا المنطقة، سواء كان هذا الالتزام يتعلق بدول او بمنظمات او بتكتلات سياسية او اقتصادية. إن خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي لن يغير التزام بريطانيا تجاه التنمية الدولية او يقلل من مساعدتها الدولية سواء للدول الفقيرة او الدول التي مزقتها الحروب والنزاعات او الدول التي تستقبل اللاجئين الفارين من اتون الحرب، او التزامها بالسلام والامن في العالم. لن اتحدث عن ارقام المساعدات البريطانية لانها معروفة ومتوفرة في وسائل الاعلام المحلية والدولية ولدى المنظمات الدولية، ولكن مساهمة بريطانيا في سوريا والدول المجاورة لا يمكن ان تخطأها عين، كما ان دور بريطانيا في مكافحة الارهاب وخصوصا داعش لا يحتاج الى دليل. وبغض النظر عن وجود بريطانيا خارج او داخل الاتحاد الاوروبي، فإن بريطانيا ستظل قوة اقتصادية لا يستهان بها، كما انها ستظل قبلة للمستثمرين الدوليين والسياح والباحثين عن احدث التكنولوجيا وآخر الاختراعات والاكتشافات الطبية وافضل الخدمات المصرفية، كما ان الجامعات البريطانية ستظل وجهة كل من يبحث عن الحصول على مؤهلات من افضل جامعات العالم. بريطانيا ستخرج في نهاية المطاف من الاتحاد الاوروبي ولكنها لن تتراجع ولو خطوة واحدة عن مسرح الاحداث الدولي، ولا من منطقتي الشرق الاوسط و الخليج وخصوصا فيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية. العلاقات البريطانية الخليجية بشكل عام والبريطانية السعودية بشكل خاص تاريخية ومتينة ولن تتأثر اطلاقا بخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي. فهي ليست رسمية بين حكومتين، ولكنها علاقات تجاوزت الجانب الرسمي المتعلق بالامور السياسية او الامنية - على اهميته - الى الجانب الثقافي الذي يميز العلاقة بين الشعبين الصديقين الى الجانب الشخصي الذي يميز العلاقة بين افراد العائلتين المالكتين. الاتصالات الرسمية بين البلدين مستمرة كما هي، واخص هنا الاتصالات التي حدثت مؤخرا بين خادم الحرمين الشريفين ورئيسة وزراء بريطانيا، و بين صاحب السمو الملكي ولي العهد ووزيرة الداخلية البريطانية وبين معالي وزير الخارجية السعودي ونظيره البريطاني وبيني انا شخصيا وعدد من اصحاب المعالي الوزراء. وكذلك تبادل الآراء ومناقشة البدائل وامكانية التوصل الى حلول لقضايا المنطقة سواء في سوريا اواليمن او عملية السلام لم ولن تتوقف. التعاون الامني ومكافحة الارهاب مستمر على اعلى المستويات، محادثات الطاقة ومشروعات الطاقة المتجددة وتغيير المناخ مستمرة، المشاورات المتعلقة بمجموعة العشرين لن تتوقف، كما ان ارقام التبادل التجاري في ازدياد. وقلما تجد مشروعا استثماريا او بنية تحتية او مشروعا خدميا او مصرفيا او رعاية صحية او تعليميا الا و فيه لمسة بريطاني. ثقافيا، عدد الطلاب السعوديين الذين يدرسون في بريطانيا في ازدياد، و الارقام الصادرة من ادارة الهجرة تفيد بزيادة كبيرة في عدد التأشيرات السياحية التي اصدرتها السفارة للسعوديينالمقيمين في المملكة العربية السعودية، كما اننا استمتعنا مؤخرا بمشاهدة نهائي كأس السوبر السعودي على ملعب نادي فولام في لندن – وانتهز هذه الفرصة لأهنىء فريق الاهلي بالفوز بالكأس. واذا كان لابد هناك من تغيير على المدى القريب، فهو بدون شك في صالح الزائر السعودي، فنصيحتي الى اصدقائي هنا في المملكة العربية السعودية هي ان الجنيه الاسترليني سيتعافى بسرعة ولذلك يجب ان ينتهزوا فرصة سعر صرف الريال بالنسبة للجنيه الاسترليني لقضاء عطلاتهم في بريطانيا، فهم مرحب بهم سواء كانت بريطانيا داخل او خارج الاتحاد البريطاني. * السفير البريطاني لدى المملكة